الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } لمّا بـيّن حُرمةَ إحلال الإحرام الذي هو من شعائر الحج عقّب ذلك ببـيان حرمة إحلال سائر الشعائر، وإضافتُها إلى الله عز وجل لتشريفها وتهويلِ الخطب في إحلالها، وهي جمع شعيرةٍ وهي اسم لما أُشعِر، أي جُعل شِعاراً وعَلَماً للنُسُك من مواقيت الحج ومرامي الجمار والمطافِ والمسعى، والأفعالِ التي هي علاماتُ الحج يُعرف بها، من الإحرام والطوافِ والسعْي والحلق والنحر، وإحلالُها أن يُتهاوَن بحرمتها ويُحال بـينها وبـين المتنسّكين بها ويُحدَثَ في أشهر الحج ما يُصَدّ به الناسُ عن الحج. وقيل: المراد بها دينُ الله لقوله تعالى:وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ } [الحج، الآية 32] أي دِينه، وقيل: حرماتِ الله، وقيل: فرائضَه التي حدّها لعباده، وإحلالُها الإخلالُ بها، والأول أنسبُ بالمقام. { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أي لا تُحِلّوه بالقتال فيه، وقيل: بالنّسيء، والأول هو الأولى بحالة المؤمنين، والمراد به شهر الحج، وقيل: الأشهر الأربعة الحرم، والإفراد لإرادة الجنس { وَلاَ ٱلْهَدْىَ } بأن يُتعرَّضَ له بالغَضْب أو بالمنع عن بلوغِ مَحِلِّه، وهو ما أُهدِيَ إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاءِ، جمعُ هَدْيَة كجَدْيٍ وجَدْية { وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ } هي جمعُ قِلادة، وهي ما يُقلَّد به الهدْيُ من نعلٍ أو لِحاءِ شجرٍ ليُعلم به أنه هدْيٌ فلا يُتعرَّضَ له، والمراد النهيُ عن التعرض لذوات القلائد من الهدْي وهي البُدْن، وعطفُها على الهدي مع دخولها فيه لمزيد التوصية بها لمزيتها على ما عداها، كما عَطفَ جبريلَ وميكالَ على الملائكة عليهم السلام، كأنه قيل: والقلائدَ منه خصوصاً، أو النهيُ عن التعرض لنفس القلائدِ مبالغةً في النهي عن التعرض لأصحابها، على معنى لا تُحِلّوا قلائدَها فضلاً عن أن تحلوها، كما نهىٰ عن إبداء الزينة بقوله تعالى:وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } [النور، الآية 31] مبالغةً في النهي عن إبداء مواقِعِها { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } أي لا تُحلّوا قوماً قاصدين زيارته بأن تصُدّوهم عن ذلك بأي وجه كان، وقيل: هناك مضافٌ محذوف أي قتالَ قومٍ أو أذى قوم آمين الخ، وقُرىء ولا آمِّي البـيتِ الحرامِ بالإضافة، وقوله تعالى: { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ وَرِضْوٰناً } حالٌ من المستكنِّ في آمين لا صفةٌ له، لأن المختار أن اسم الفاعل إذا وُصف بطَلَ عملُه أي قاصدين زيارته حال كونهم طالبـين أن يُثيبَهم الله تعالى ويرضَى عنهم. وتنكيرُ (فضلاً ورضواناً) للتفخيم، و(من ربهم) متعلق بنفس الفعل، أو بمحذوفٍ وقع صفة لفضلاً مُغنيةً عن وصفِ ما عُطف عليه بها، أي فضلاً كائناً من ربهم ورضواناً كذلك.

والتعرُّضُ لعنوان الربوبـية مع الإضافة إلى ضميرهم لتشريفهم والإشعارِ بحصول مبتغاهم. وقُرىء (تَبْتغون) على الخطاب، فالجملة حينئذ حال من ضمير المخاطَبـين في (لا تُحلوا) على أن المرادَ بـيانُ منافاة حالهم هذه للمنهيِّ عنه لا تقيـيدُ النهي بها، وإضافة الرب إلى ضمير الآمّين للإيماء إلى اقتصار التشريف عليهم، وحِرمانِ المخاطَبـين عنه وعن نيل المُبتغىٰ، وفي ذلك من تعليلِ النهْي وتأكيدِه والمبالغة في استنكار المنهيّ عنه ما لا يخفى، ومن هٰهنا قيل: المراد بالآمّين هم المسلمون خاصة، وبه تمسك من ذهب إلى أن الآية مُحْكمة، وقد رُوي أن النبـي عليه الصلاة والسلام قال:

السابقالتالي
2 3