الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } حكايةٌ لِما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة وبـيانٌ لبطلانها بعد ذكر ما صدر عن أحدهما وبـيانِ بطلانه أي قالت اليهود: نحن أشياعُ ابنِه عُزَيْرٍ، وقالت النصارى: نحن أشياعُ ابنِه المسيحِ، كما قيل لأشياع أبـي خُبـيب وهو عبد اللَّه بن الزبـير: الخُبـيبـيّون، وكما يقول أقاربُ الملوك عند المفاخرة: نحن الملوك، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن النبـي عليه الصلاة والسلام دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوَّفهم بعقاب الله تعالى فقالوا: كيف تخوِّفُنا به ونحن أبناءُ الله وأحباؤُه؟ وقيل: إن النصارى يتلون في الإنجيل أَنَّ المسيح قال لهم: إني ذاهبٌ إلى أبـي وأبـيكم، وقيل: أرادوا أن الله تعالى كالأب لنا في الحُنُوِّ والعطف، ونحن كالأبناء له في القُرب والمنزلة، وبالجملة أنهم كانوا يدّعون أن لهم فضلاً ومَزيديةً عند الله تعالى على سائر الخلق، فردّ عليهم ذلك، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } إلزاماً لهم وتبكيتاً { فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } أي إن صح ما زعمتم فلأيِّ شيءٍ يعذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ، وقد اعترفتم بأنه تعالى سيعذبكم في الآخرة بالنار أياماً بعدد أيامِ عبادتِكم العجلَ، ولو كان الأمر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر، ولما وقع عليكم ما وقع، وقوله تعالى: { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ } عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام، أي لستم كذلك بل أنتم بشر { مّمَّنْ خَلَق } أي من جنس مَنْ خَلقه الله تعالى من غير مزيةٍ لكم عليهم { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أن يغفر له من أولئك المخلوقين، وهم الذين آمنوا به تعالى وبرسله { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أن يعذبه منهم، وهم الذين كفروا به وبرسله مثلَكم { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الموجودات لا ينتمي إليه سبحانه شيء منها إلا بالملوكية والعبودية والمقهورية تحت ملكوته، يتصرّف فيهم كيف يشاء إيجاداً وإعداماً، إحياء وإماتة، وإثابة وتعذيباً، فأنىٰ لهم ادعاءُ ما زعموا { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } في الآخرة خاصة لا إلى غيره استقلالاً أو اشتراكاً فيجازي كلاًّ من المحسن والمسيء بما يستدعيه عملُه من غير صارف يَثْنيه ولا عاطفٍ يَلْويه.