الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } * { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيّينَ } عطف على ما قبله من أخواتها الواقعةِ ظروفاً للنعمة التي أُمر بذكرها، وهي وإن كانت في الحقيقة عينُ ما يُفيده الجملُ التي أُضيفت إليها تلك الظروفُ من التأيـيد بروح القدس وتعليم الكتاب والحكمة وسائرِ الخوارق المعدودة، لكنها لمغايَرَتها لها بعنوانٍ منْبىءٍ عن غاية الإحسان أُمر بذكرها من تلك الحيثية، وجُعلت عاملةً في تلك الظروف لكفاية المغايَرَة الاعتبارية في تحقيق ما اعتُبر في مدلول كلمةِ (إذ) من تعدد النسبة، فإنه ظرف موضوعٌ لزمان نسبتين ماضيتين واقعتين فيه إحداهما معلومةُ الوقوعِ فيه للمخاطَب دون الأخرى، فيُراد إفادةُ وقوعها أيضاً له، فيضاف إلى الجملة المفيدة للنسبة الأولى، ويجعل ظرفاً معمولاً للنسبة الثانية، ثم قد تكون المغايَرةُ بـين النسبتين بالذات كما في قولك: اذكُرْ إحساني إليك إذ أحسنتَ إليّ. تريد تنبـيهَ المخاطَب على وقوع إحسانه إليك وهما نسبتان متغايرتان بالذات، وقد تكون بالاعتبار كما في قولك: اذكر إحساني إليك إذ منعتُك من المعصية، تريد تنبـيهه على كون منعه منها إحساناً إليه لا على إحسانٍ آخرَ واقعٍ حينئذ، ومن هذا القبـيل عامةُ ما وقع في التنزيل من قوله تعالى:يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [المائدة، الآية 20] الآية، وقولِه تعالى:يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } [المائدة، الآية 11] إلى غير ذلك من النظائر. ومعنى إيحائه تعالى إليهم أمرُه تعالى إياهم في الإنجيل على لسانه عليه السلام. وقيل: إلهامُه تعالى إياهم كما في قوله تعالى:وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ } [القصص، الآية 7] و(أنْ) في قوله تعالى: { أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي } مفسِّرة لما في الإيحاء من معنى القول، وقيل: مصدرية، وإيرادُه عليه السلام بعنوان الرسالة للتنبـيه على كيفية الإيمان به عليه السلام كأنه قيل: آمنوا بوحدانيتي في الألوهية والربوبـية وبرسالة رسولي ولا تُزيِّلوه عن حيِّزه حطّاً ولا رفعاً، وقوله تعالى: { قَالُواْ } استئناف مبنيٌّ على سؤال نشأ من سَوْق الكلام كأنه قيل: فماذا قالوا حين أوحِيَ إليهم ذلك؟ فقيل: قالوا: { آمنّا } أي بما ذُكر من وحدانيته تعالى وبرسالة رسولِه كما يُؤذِنُ به قولهم: { وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } أي مخلِصون في إيماننا، من أسلم وجهَه لله، وهذا القولُ منهم ـ بمقتضىٰ وحيه تعالى وأمرِه لهم بذلك ـ نعمةٌ جليلة كسائر النعم الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك نعمةٌ على والدته أيضاً. رُوي أنه عليه السلام لما علم أنه سيُؤمر بذكر هاتيك النعم العِظامِ جعل يلبَسُ الشَّعْرَ ويأكل الشجر ولا يدخر شيئاً لغد، يقول: لكل يوم رزقُه، لم يكن له بـيت فيخرَبَ ولا ولد فيموتَ، أينما أمسى بات.

السابقالتالي
2