الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ }

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } هم المنافقونَ وإفرادُ الضميرِ باعتبارِ لفظِ مَنْ كما أنَّ جمعَهُ فيما سيأتي باعتبارِ معناها. كانُوا يحضُرون مجلسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيسمعونَ كلامَهُ ولا يَعُونَهُ ولا يُراعونَهُ حقَّ رعايتِه تهاوناً منهُم. { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من الصحابةِ رضي الله عنهُم { مَاذَا قَالَ ءانِفاً } أي ما الذي قالَ الساعةَ على طريقةِ الاستهزاءِ وإن كان بصورةِ الاستعلامِ. وآنِفاً من قولِهم أنْفُ الشيءِ لما تقدمَ منه مستعارٌ من الجارحةِ ومنه استأنفَ الشيءَ وائتنفَ، وهو ظرفٌ بمعنى وقتاً مؤتنفاً. أو حالٌ من الضمير في قالَ. وقُرِىءَ أَنِفَاً. { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفونَ بما ذُكِرَ { ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } لعدمِ توجههم نحوَ الخيرِ أصلاً. { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } الباطلةَ فلذلك فعلُوا ما فعلُوا مما لا خيرَ فيهِ { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } إلى طريقِ الحقِّ { زَادَهُمْ } أي الله تعالَى { هُدًى } بالتوفيقِ والإلهامِ { وَءَاتَـٰهُمْ تَقْوَٰهُمْ } أعانهُم على تقواهُم أو أعطاهُم جزاءَها أو بـيّنَ لهم ما يتقونَ.

{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } أي القيامةَ. وقولُه تعالى: { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } أي تُباغتُهم بغتةً وهي المفاجأةُ. بدلُ اشتمالٍ من الساعةَ والمعنى أنَّهم لا يتذكرونَ بذكرِ أهوالِ الأممِ الخاليةِ ولا بالأخبارِ بإتيانِ الساعةِ وما فيها من عظائمِ الأهوالِ وما ينتظرونَ للتذكرِ إلا إتيانِ نفسِ الساعةِ بغتةً. وقُرِىءَ بَغَتةً بفتحِ الغينِ. وقولُه تعالى: { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } تعليلٌ لمفاجأتِها، لا لإتيانِها مُطلقاً على معنى أنه لم يبقَ من الأمورِ الموجبةِ للتذكِر أمرٌ مترقبٌ ينتظرونَهُ سوى إتيانِ نفسِ الساعةِ إذْ قد جاءَ أشراطُها فلم يرفعُوا لها رأساً ولم يعدّوها من مبادىءِ إتيانِها فيكون إتيانُها بطريقِ المفاجأةِ لا محالةَ. والأشراطُ جمعُ شَرَطٍ بالتحريكِ، وهي العلامةُ والمرادُ بها مبعثُه صلى الله عليه وسلم وانشقاقُ القمرِ ونحوُهما. وقولُه تعالى: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } حكمٌ بخطِئهم وفسادِ رأيهم في تأخيرِ التذكرِ إلى إتيانِها ببـيانِ استحالةِ نفعِ التذكرِ حينئذٍ كقولِه تعالى:يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذّكْرَىٰ } [سورة الفجر، الآية 23] أي وكيفَ لهم ذكراهُم إذا جاءتْهُم على أن أنَّى خبرٌ مقدمٌ وذكراهُم مبتدأٌ وإذا جاءتْهُم اعتراضٌ وسطٌ بـينهما رمزاً إلى غايةِ سرعةِ مجيئِها وإطلاقُ المجىءِ عن قيدِ البغتة لما أن مدارَ استحالةِ نفعِ التذكرِ كونُه عند مجيئِه مطلقاً لا مقيداً بقيدِ البغتِة. وقُرِىءَ أنْ تأتِهم على أنَّه شرطٌ مستأنفٌ جزاؤُه فأنَّى لهم إلخ. والمعنى إنْ تأتِهم الساعةُ بغتةً لأنه قد ظهرَ أماراتُها فكيفَ لهم تذكرُهم واتعاظُهم إذا جاءتْهُم.