الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يٰقَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِىَ ٱللَّهِ وَءامِنُواْ بِهِ } أرادُوا به ما سمعُوه من الكتابِ وصفُوه بالدَّعوةِ إلى الله تعالى بعدَ ما وصفُوه بالهدايةِ إلى الحقِّ والصراطِ المستقيمِ لتلازمِهما، دَعَوهم إلى ذلكَ بعدَ بـيانِ حقِّيتِه واستقامتِه ترغيباً لهم في الإجابةِ ثم أكَّدُوه بقولِهم { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } أي بعضَ ذنوبكم وهو ما كانَ في خالصِ حقِّ الله تعالى فإنَّ حقوقَ العبادِ لا تُغفرُ بالإيمانِ. { وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } معدَ للكفرةِ. واختُلفَ في أنَّ لهم أجراً غيرَ هذا أو لاَ والأظهرُ أنَّهم في حُكمِ بني آدمَ ثواباً وعقاباً. وقولُه تعالى: { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى ٱلأَرْضَ } إيجابٌ للإجابةِ بطريقِ الترهيبِ إثرَ إيجابِها بطريقِ الترغيبِ، وتحقيقٌ لكونهم منذرينَ. وإظهارُ دَاعي الله من غيرِ اكتفاءٍ بأحدِ الضميرينِ للمبالغةِ في الإيجابِ بزيادةِ التقريرِ وتربـيةِ المهابةِ وإدخالِ الرَّوعةِ، وتقيـيدُ الإعجازِ بكونِه في الأرضِ لتوسيعِ الدائرةِ أي فليسَ بمعجزٍ له تعالى بالهربِ وإن هربَ كلَّ مهربٍ من أقطارِها أو دخلَ في أعماقِها. وقولُه تعالى { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } بـيانٌ لاستحالةِ نجاتِه بواسطةِ الغيرِ إثرَ بـيانِ استحالةِ نجاتِه بنفسهِ. وجمعُ الأولياءِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ فيكونُ من بابِ مقابلةِ الجمع بالجمعِ لانقسامِ الآحادِ إلى الآحادِ كما أنَّ الجمعَ في قولِه تعالى { أُوْلَـٰئِكَ } بذلكَ الاعتبارِ، أي أولئكَ الموصوفونَ بعدِ إجابةِ داعِي الله. { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي ظاهرٌ كونَهُ ضلالاً بحيثُ لا يَخْفى على أحدٍ حيثُ أعرضُوا عن إجابةِ مَنْ هَذا شأنُه.

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } الهمزةُ للإنكارِ، والواو للعطفِ على مقدرٍ يستدعيهِ المقامُ. والرؤيةُ قلبـيةٌ أيْ ألم يتفكَّروا ولم يعلمُوا علماً جازماً مُتاخِماً للمشاهدةِ والعيانِ { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } ابتداءً من غيرِ مثالٍ يحتذيهِ ولا قانونٍ ينتحيهِ. { وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ } أي لم يتعبْ ولم ينصَبْ بذلك أصلاً أو لم يعجزْ عنهُ. يقالُ عيـيتُ بالأمرِ إذا لم يُعرفْ وجَههُ. وقولُه تعالى: { بِقَادِرٍ } في حيزِ الرفعِ لأنَّه خبرُ أنَّ كما ينبىءُ عنْهُ القراءةُ بغيرِ باءٍ، ووجُه دخولِها في القراءةِ الأُولى اشتمالُ النفيِّ الواردِ في صدرِ الآيةِ على أنَّ وَمَا في حيزِها كأنَّه قيلَ: أو ليسَ الله بقادرٍ. { عَلَىٰ أَن يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ } ولذلكَ أجيبَ عنه بقولِه تعالى: { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } تقريراً للقدرةِ على وجهٍ عامَ يكونُ كالبرهانِ على المقصودِ.