الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى الإنسانِ، والجمعُ لأنَّ المرادَ به الجنسُ المتصفُ بالوصفِ المَحكِيِّ عنْهُ، وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإشعارِ بعُلوِّ رُتبتهِ وبُعدِ منزلتِه، أي أولئكَ المنعوتونَ بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلةِ. { ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } من الطاعاتِ، فإنَّ المباحَ حسنٌ ولا يثابُ عليهِ. { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَـٰتِهِمْ } وقُرىءَ الفعلانِ بالياءِ على إسنادِهما إلى الله تعالى، وعلى بنائِهما للمفعولِ، ورفعِ أحسنَ على أنَّه قائمٌ مقامَ الفاعلِ، وكذا الجارُّ والمجرور. { فِى أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ } أي كائنينَ في عدادِهم منتظمينَ في سلكِهم { وَعْدَ ٱلصّدْقِ } مصدرٌ مؤكدٌ لما أنَّ قولَه تعالَى نتقبلُ ونتجاوزُ وعدٌ من الله تعالى لهُم بالتقبلِ والتجاوزِ. { ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } عَلَى ألسنةِ الرُّسلِ.

{ وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ } عندَ دعوتِهما لهُ إلى الإيمانِ { أُفّ لَّكُمَا } هو صوتٌ يصدرُ عنِ المرءِ عندَ تضجرِه، واللامُ لبـيانِ المؤفَّفِ له كمَا في هَيْتَ لكَ. وقُرِىءَ أُفِّ بالفتحِ والكسرِ بغيرِ تنوينٍ وبالحركاتِ الثلاثِ معَ التنوينِ. والموصولُ عبارةٌ عن الجنسِ القائلِ ذلكَ القولَ ولذلكَ أُخبرَ عنه بالمجموعِ كما سبقَ. قيلَ: هُو في الكافرِ العاقِّ لوالديهِ المكذبِ بالبعثِ. وعن قَتَادةَ: هُو نعتُ عبدِ سوءٍ عاقِّ لوالديهِ فاجرٍ لربِّه. وما رُويَ من أنَّها نزلتْ في عبدِ الرَّحمنِ بن أبـي بكرٍ رضيَ الله عنهُمَا قبلَ إسلامِه يردُّه ما سيأتِي من قولِه تعالى:أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [سورة الأحقاف، الآية 18] الآيةَ. فإنَّه كانَ من أفاضلِ المسلمينَ وسَرواتِهم، وقد كذَّبتِ الصدِّيقةُ رضيَ الله عنَها مَنْ قالَ ذلكَ. { أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ } أُبعثَ من القبرِ بعدَ الموتِ. وقُرِىءَ أَخْرُجَ، من الخُروجِ. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى } ولم يُبعثْ منهم أحدٌ { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } يسألانِه أنْ يغيثَهُ ويوفقَهُ للإيمانِ. { وَيْلَكَ } أي قائلينَ له ويلكَ، وهو في الأصلِ دعاءٌ عليه بالثبورِ أُريدَ به الحثَّ والتحريضَ على الإيمانِ لا حقيقةَ الهلاكِ. { ءَامَن إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي البعثَ أضافاهُ إليهِ تعالى تحقيقاً للحقِّ وتنبـيهاً على خطئهِ في إسنادِ الوعدِ إليهما. وقُرِىءَ أنَّ وعدَ الله أي آمِنْ بأنَّ وعدَ الله حقٌّ { فَيَقُولُ } مكذباً لهُما { مَا هَـٰذَا } الذي تسميانِه وعدَ الله { إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أباطيلُهم التي سَطرُوها في الكتبِ من غيرِ أنْ يكونَ لها حقيقةٌ.