الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

سورة الأحقاف مكية

وآيها أربع أو خمس وثلاثون آية

{ حـم تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } الكلامُ فيه كالذي مرَّ في مطلعِ السورةِ السابقةِ. { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } بما فيهما من حيثُ الجزئيةُ منهما ومن حيثُ الاستقرارُ فيهما. { وَمَا بَيْنَهُمَا } من المخلوقاتِ { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ المفاعيلِ. أي إلاَّ خلقاً مُلتبساً بالحقِّ الذي تقتضيهِ الحكمةُ التكوينيةُ والتشريعيةُ، أو من أعمِّ الأحوالِ من فاعلِ خلقنا أو من مفعولِه أي ما خلقنَاها في حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ ملابستِنا بالحقِّ أو حالَ ملابستِها به. وفيهِ من الدلالةِ على وجودِ الصَّانعِ تعالى وصفاتِ كمالِه وابتناءِ أفعالِه على حِكمٍ بالغةٍ وانتهائِها إلى غاياتٍ جليلةٍ ما لا يَخْفِى. { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } عطفٌ على الحقِّ بتقديرِ مضافٍ أي وبتقديرِ أجلٍ مُسمَّى ينتهي إليهِ أمرُ الكلِّ وهو يومُ القيامةِ يومَ تُبدلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسمواتُ وبرزوا لله الواحدِ القهارِ، وقيلَ: هُو آخرُ مُدةِ البقاءِ المقدرِ لكلِّ واحدٍ، ويأباهُ قولُه تعالى { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } فإنَّ ما أُنذروه يومُ القيامةِ وما فيهِ من الطامَّةِ التَّامَّةِ والأهوالِ العامةِ لا آخرُ أعمارِهم وقد جُوِّزَ كونُ ما مصدريةً، والجملةُ حاليةٌ. أي ما خلقنا الخلقَ إلا بالحقِّ وتقديرِ الأجلِ الذي يُجازونَ عندَهْ، والحالُ أنَّهم غيرُ مؤمنينَ به معرضونَ عنه وعن الاستعدادِ له. { قُلْ } توبـيخاً لهم وتبكيتاً { أَرَءيْتُمْ } أخبرُوني، وقُرِىءَ أرأيتَكُم. { مَا تَدَّعُونَ } ما تعبدونَ { مِن دُونِ ٱللَّهِ } منَ الأصنامِ { أَرُونِىَ } تأكيدٌ لأرأيتُم. { مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } بـيانُ للإبهامِ في ماذَا { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ } أي شرْكةٌ معَ الله تعالَى. { فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أي في خلقِها أو مُلكِها وتدبـيرِها حتَّى يُتوهم أن يكونَ لهم شائبةُ استحقاقٍ للمعبوديةِ فإنَّ ما لا مدخلَ له في وجودِ شيءٍ من الأشياءِ بوجهٍ من الوجوهِ فهُو بمعزلٍ منْ ذلكَ الاستحقاقِ بالمرَّةِ وإِنْ كانَ منَ الأحياءِ العُقلاءِ فَما ظنُّكم بالجمادِ. وقولُه تعالَى { ٱئْتُونِى بِكِتَـٰبٍ } الخ. تبكيتٌ لهم بتعجيزِهم عن الإتيانِ بسندٍ نقليَ بعد تبكيتِهم بالتعجيزِ عن الإتيانِ بسندٍ عقليَ أي ائتونِي بكتابٍ إلهيَ كائنٍ { مّن قَبْلِ هَـٰذَا } الكتابِ أي القُرآنِ الناطقِ بالتَّوحيدِ وإبطالِ الشركِ دالٍ على صحةِ دينِكم { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } أو بقيةٍ من علمٍ بقيتْ عليكُم من علومِ الأولينَ شاهدةٍ باستحقاِقهم للعبادِة { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دَعْواكُم فإنَّها لا تكادُ تَصحُّ ما لم يقُم عليها برهانٌ عقليٌّ أو سلطانٌ نقليٌّ، وحيثُ لَم يقُمْ عليها شيءٌ منهُمَا وقد قامتْ على خلافِها أ دلةُ العقلِ والنقلِ تبـينَ بطلانُها. وقُرِىءَ إِثَارَةٍ بكسرِ الهمزةِ أي مناظرةٍ فإنها تُثيرُ المعانيَ، وأثَرةٍ أيْ شيءٍ أُوثرتُم بهِ وخُصِصتُم منْ علمٍ مطويَ من غيرِكم، وإثرة بالحركات الثلاث مع سكون الثاء، إما المكسورةُ فبمعنى الأثَرةِ، وأمَّا المفتوحةُ فهي المرةُ من أثرَ الحديثَ أي رَواه، وأمَّا المضمومةُ فاسمُ ما يُؤثرُ كالخُطبةِ التي هي اسمُ ما يُخطبُ بهِ.