الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }

{ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءايَـٰتِنَا شَيْئاً } أي إذا بلغَهُ من آياتِنا شيءٌ وعلم أنَّه من آياتِنا لا أنه علمهُ كما هُو عليهِ فإنَّه بمعزلٍ عن ذلك العلمِ، وقيلَ: إذا علم منها شيئاً يمكنُ أنْ يتشبثَ به المعاندُ ويجدَ له محملاً فاسداً يتوصلُ به إلى الطعنِ والغميزةِ { ٱتَّخَذَهَا } أي الآياتِ كلَّها { هُزُواً } أي مَهْزُوءاً بَها لا ما سمَعهُ فقطْ، وقيلَ: الضميرُ للشيءِ، والتأنيثُ لأنَّه في معنى الآيةِ. { أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى كلِّ أفاكٍ من حيثُ الاتصافُ بما ذُكرَ من القبائِحِ، والجمعُ باعتبارِ الشمولِ للكلِّ كما في قولِه تعالى:كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [سورة المؤمنون، الآية 5] كما أنَّ الإفرادَ فيما سبقَ من الضمائرِ باعتبارِ كلِّ واحدٍ واحدٍ. { لَهُمْ } بسببِ جناياتِهم المذكورةِ { عَذَابٌ مُّهِينٌ } وصف العذابِ بالإهانةِ توفيةً لحقِّ استكبارِهم واستهزائِهم بآياتِ الله سبحانه وتعالى. { مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ } أي من قُدامِهم لأنهم متوجهونَ إلى ما أُعدَّ لهُم، أو من خلفِهم لأنهم معرضونَ عن ذلكَ مقبلونَ على الدُّنيا فإن الوراءَ اسمٌ للجهةِ التي يُواريها الشخصُ من خلفٍ وقُدامٍ. { وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم } ولا يدفعُ { مَّا كَسَبُواْ } من الأموالِ والأولادِ { شَيْئاً } من عذابِ الله تعالى أو شيئاً من الإغناءِ { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء } أي الأصنامَ، وتوسيطُ حرفِ النفي بـينِ المعطوفينِ مع أنَّ عدمَ إغناءِ الأصنامِ أظهرُ وأجلى من عدمِ إغناءِ الأموالِ والأولادِ قطعاً مبنيٌّ على زعمِهم الفاسدِ حيثُ كانُوا يطمعونَ في شفاعتِهم وفيه تهكمٌ. { وَلَهُمْ } فيما وراءَهُم من جهنمَ { عَذَابٌ عظِيمٌ } لا يُقادرُ قدرُه.

{ هَـٰذَا } أي القرآنُ { هُدًى } في غايةِ الكمالِ من الهدايةِ كأنَّه نفسُها { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بالقرآنِ وإنما وضعَ موضعَ ضميرِه في قوله تعالى: { بآيَـٰتِ رَبّهِمْ } لزيادةِ تشنيعِ كفرِهم به وتفظيعِ حالِهم { لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ } أي من أشدِّ العذابِ { أَلِيمٌ } بالرفعِ صفةُ عذابٌ، وقُرىءَ بالجرِّ على أنَّه صفة رجزٍ، وتنوينُ عذابٌ في المواقعِ الثلاثةِ للتفخيمِ، ورفعُه إما على الابتداء وإما على الفاعلية.