الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ }

وقولُه تعالى: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ } أي في جنتِه، تفصيلٌ لما يُفعلُ بالأممِ بعد بـيانِ ما خُوطِبوا بهِ من الكلامِ المُنطوي على الوعدِ والوعيدِ. { ذٰلِكَ } أي الذي ذُكرَ من الإدخالِ في رحمتِه تعالى { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } الظاهرُ كونُه فوزاً لا فوزَ وراءَهُ { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي فيقالُ لهم بطريقِ التوبـيخِ والتقريعِ ألم يكنُ يأتيكم رُسلي فلم تكُنْ آياتِي تُتلى عليكمُ فخذفَ المعطوفُ عليه ثقةً بدلالةِ القريبةِ عليهِ. { فَٱسْتَكْبَرْتُمْ } عن الإيمانِ بها { وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أي قوماً عادتُهم الإجرامُ { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ } أي ما وعدَهُ من الأمورِ الآتيةِ أو وعدُه بذلكَ { حَقّ } أي واقعٌ لا محالةَ أو مطابقٌ للواقعِ { وَٱلسَّاعَةُ } التي هيَ أشهرُ ما وعدَهُ { لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي في وقوعِها. وقُرِىءَ والساعةَ بالنصبِ عطفاً على اسمِ إنَّ وقراءةُ الرفعِ للعطفِ على محلِّ إنَّ واسمِها. { قُلْتُمْ } لغايةِ عُتوِّكُم { مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ } أيْ أيُّ شيءٍ هي استغراباً لَها { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أيْ ما نفعلُ إلا ظناً وقد مرَّ تحقيقُه في قولِه تعالى:إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } [سورة الأنعام، الآية 50] وقيلَ: ما نعتقدُ إلا ظناً أي لا علماً وقيلَ: ما نحنُ إلا نظنُّ ظناً وقيلَ: ما نظنُّ إلا ظناً ضعيفاً ويردُّه قولُه تعالى { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } أي لإمكانِه فإنَّ مقابلَ الاستيقانِ مطلقُ الظنِّ لا الضعيفُ منه ولعلَّ هؤلاءِ غيرُ القائلينَ ما هيَ إلا حياتُنا الدُّنيا { وَبَدَا لَهُمْ } أي ظهرَ لَهُم حينئذٍ { سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } على ما هيَ عليهِ من الصُّورةِ المُنكرةِ الهائلةِ وعاينوا وخامةَ عاقبتِها أو جزاءَها فإنَّ جزاءَ السيئةِ سيئةٌ { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } من الجزاءِ والعقابِ.

{ وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } نترككُم في العذابِ تركَ المنسيِّ { كَمَا نَسِيتُمْ } في الدُّنيا { لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أيْ كَما تركتُم عِدتَهُ ولم تُبالُوا بهِ، وإضافةُ اللقاءِ إلى اليومِ إضافةُ المصدرِ إلى ظرفِه. { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ } أي مَا لأَحدٍ منكُم نَاصِرٌ وَاحِدٌ يخلصكُم منَها { ذٰلِكُمْ } العذابُ { بِأَنَّكُمُ } بسببِ أنَّكْم { ٱتَّخَذْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً } مَهْزوءاً بَها ولم ترفعوا لها رأساً { وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } فحسبتُم أنْ لا حياةَ سواهَا { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } أيْ من النَّارِ. وقُرِىءَ يَخرجُون من الخُروجِ. والالتفاتُ إلى الغَيبةِ للإيذانِ بإسقاطِهم عن رُتبةِ الخطابِ استهانةً أو بنقلِهم من مقامِ الخطابِ إلى غيابةِ النارِ { وَلَّـٰهُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي يُطلبُ منهم أنْ يُعتبوا ربَّهم أيْ يُرضُوه لفواتِ أوانِه.