الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } * { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ }

{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } أيْ عن الكفرِ والمَعَاصِي { فِى مَقَامٍ } في موضعَ قيامٍ، والمرادُ المكانُ على الإطلاقِ فإنَّه من الخاصِّ الذي شاعَ استعمالُه في مَعْنى العمومِ. وقُرِىءَ بضمِّ الميمِ وهو مَوضعُ إقامة { أَمِينٌ } يأمن صاحبُه الآفاتِ والانتقالَ عنْهُ وهو منَ الأمنِ الذي هُو ضدُّ الخيانةِ، وصفَ به المكانُ بطريقِ الاستعارةِ، كأنَّ المكانَ المخيفَ يخونُ صاحبَهُ لما يَلْقى فيهِ من المكارِه { فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } بدلٌ من مقامٍ جيءَ بهِ دِلالةً على نزاهتِه واشتمالِه على طيباتِ المآكلِ والمشاربِ { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } إما خبرٌ ثانٍ أو حالٌ من الضميرِ في الجارِّ، أو استئنافٌ. والسندسُ ما رقَّ من الحريرِ، والإستبرقُ ما غلُظَ منْهُ معرَّبٌ. { مُّتَقَـٰبِلِينَ } في المجالسِ ليستأنسَ بعضُهم ببعضٍ { كَذٰلِكَ } أي الأمرُ كذلكَ أو كذلكَ أثبناهُم { وَزَوَّجْنَـٰهُم بِحُورٍ عِينٍ } على الوصفِ وقُرِىَء بالإضافةِ أي قرنّاهم بهنَّ والحورُ جمعُ الحوراءِ وهي البـيضاءُ، والعينُ جمعُ العيناءِ وهي العظيمةُ العينينِ واختُلفَ في أنهنَّ نساءُ الدُّنيا أو غيرُها { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَـٰكِهَةٍ } أي يطلبونَ ويأمرونَ بإحضارِ ما يشتهونَهُ من الفواكهِ لا يتخصصُ شيءٌ منها بمكانٍ ولا زمانٍ { ءامِنِينَ } من كلِّ ما يسوؤهم { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } بل يستمرُّونَ على الحياةِ أبداً والاستثناءُ منقطعٌ أو متصلٌ على أنَّ المرادَ بـيانُ استحالةِ ذوقِ الموتِ فيها على الإطلاقِ كأنَّه قيلَ: لا يذوقونَ فيها الموتَ إلا إذا أمكن ذوقُ الموتةِ الأُولى حينئذٍ { وَوَقَـٰهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } وقُرِىءَ مشدداً للمبالغةِ في الوقايةِ. { فَضْلاً مّن رَّبّكَ } أي أُعطوا ذلكَ كلُّه عطاءً وتفضلاً منه تعالَى. وقُرِىءَ بالرفعِ أي ذلكَ فضلٌ { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذي لا فوزَ ورِاءَهُ إذ هُو خلاصٌ عن جميعِ المكارِه ونيلٌ لكلِّ المطلبِ. وقولُه تعالى { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ بِلِسَـٰنِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فذلكةٌ للسورةِ الكريمةِ إنَّما أنزلنَا الكتابَ المبـينَ بلغُتكَ كيَ يفهمُه قومُك ويتذكروا ويعملُوا بموجبِه وإذْ لم يفعلُوا ذلكَ { فَٱرْتَقِبْ } فانتظرْ ما يحِلُّ بهم { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } ما يحلُّ بكَ. رُويَ عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قرأَ حم الدخان ليلةَ الجمعةِ أصبحَ مغفوراً لهُ ".