الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } * { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ }

{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي الراسخينَ في الإجرامِ وهم الكفارُ حسبَما نبىءُ عنْهُ إيرادُهم في مقابلةِ المؤمنينَ بالآياتِ { فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ } خبرُ إنَّ، أو خالدونَ هُو الخبرُ، وفي متعلقةٌ بهِ. { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } أي لا يخففُ العذابُ عنُهم، من قولِهم فَتَرتْ عنْهُ الحُمَّى إذا سكنِتْ قليلاً، والتركيبُ للضعفِ. { وَهُمْ فِيهِ } أي في العذابِ. وقُرِىءَ فيَها أي في النَّارِ { مُّبْلِسُونَ } آيسونَ منَ النَّجاةِ. { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } بذلكَ { وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لتعريضِهم أنفسَهُم للعذابِ الخالدِ. { وَنَادَوْاْ } خازنَ النَّارِ { يا مالك } وقُرِىءَ يا مَالِ على التَّرخيمِ بالضمِّ والكسرِ، ولعلَّه رمزٌ إلى ضعفِهم وعجزِهِم عن تأديةِ اللفظِ بتمامِه. { لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي لِيُمتنا حتَّى نستريحَ من قضَى عليه إذا أماتَهُ والمعنى سَلْ ربَّك أنْ يقضي علينا، وهَذا لا يُنافِي ما ذُكرَ من إبلاسِهم لأنَّه جؤارٌ وتمنَ للموتِ لفرطِ الشدَّةِ { قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ } أيْ فِي العذابِ أبداً لا خلاصَ لكُم منْهُ بموتٍ ولا بغيرِه، عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما: أنَّه لا يُجيبُهم إلا بعدَ ألفِ سنةٍ، وقيلَ: بعد مائةٍ، وقيلَ: بعدَ أربعينَ سنةً.

{ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ } في الدُّنيا بإرسالِ الرُّسلِ وإنزال الكتبِ وهو خِطَابُ توبـيخٍ وتقريعٍ من جهةِ الله تعالَى مقررٌ لجوابِ مالكٍ ومبـينٌ لسببِ مكثِهم، وقيلَ: في قالَ ضميرُ الله تعالَى: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ } أي حقَ كانَ { كَـٰرِهُونَ } لا يقبلونَهُ وينفرونَ عنْهُ، وأما الحقُّ المعهودُ الذي هو التوحيدُ أو القرآنُ فكلُّهم كارهونَ له مشمئزّونَ منْهُ { أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْراً } كلامٌ مبتدأٌ ناعٍ على المشركينَ ما فعلُوا من الكيدِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وأمْ منقطعةٌ وما فَيها من مَعنْى بلْ للانتقالِ من توبـيخِ أهلِ النَّارِ إلى حكايةِ جنايةِ هؤلاءِ، والهمزةُ للإنكارِ، فإنْ أُريدَ بالإبرامِ الإحكامُ حقيقةً فهيَ لإنكارِ الوقوعِ واستبعادِه، وإنْ أُريدَ الإحكامُ صورةً فهيَ لإنكارِ الواقعِ واستقباحِه أيْ أأبرمَ مشركُو مكَة أمراً من كيدِهم ومكرِهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. { فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } كيدنَا حقيقةً لا همُ أو فإنَّا مبرمونَ كيدنَا بهم حقيقةً كما أبرمُوا كيدَهُم صورةً كقولِه تعالى:أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } [سورة الطور، الآية 42] وكانُوا يتناجَون في أنديتِهم ويتشاورُون في أمورِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.