الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } * { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ }

{ وَكَذٰلِكَ } أي والأمرُ كما ذُكِرَ منْ عجزِهم عن الحجةِ وتشبّثهم بذيلِ التقليدِ. وقولُه تعالَى { مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم مُّقْتَدُونَ } استئنافٌ مبـينٌ لذلكَ دالٌّ على أنَّ التقليدَ دالٌّ على أنَّ التقليدَ فيما بـينُهم ضلالٌ قديمٌ ليسَ لأسلافِهم أيضاً سندٌ غيرُه، وتخصيصُ المُترفينَ بتلكَ المقالةِ للإيذانِ بأن التنعمَ وحبّ البطالةِ هو الذي صَرَفهُم عن النظرِ إلى التقليدِ { قَالَ } حكايةٌ لما جَرى بـين المنذرينَ وبـينَ أُممهم عندَ تعللهم بتقليدِ آبائِهم، أي قالَ كلُّ نذيرٍ منِ أولئكَ المنذرينَ لأممِهم { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } أي أتقتدونَ بآبائِكم ولو جئتُكم { بِأَهْدَىٰ } بدينٍ أَهدْى { مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءابَاءكُمْ } من الضلالةِ التي ليستْ من الهدايةِ في شيءٍ وإنما عبر عنها بذلكَ مجاراةً معهم على مسلكِ الإنصافِ وقُرِىءَ على أنَّه حكايةُ أمرٍ ماضٍ أُوحيَ حينئذٍ إلى كلِّ نذيرٍ لا على أنَّه خطابٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلم وكما قيل، لقولِه تعالى: { قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } فإنَّه حكايةٌ عن الأممِ قطعاً أيْ قالتْ كلُّ أمةٍ لنذيرِها إنَّا بَما أرسلتَ بهِ إلخ وقد أجملَ عندَ الحكايةِ للإنجازِ كما مرَّ في قولِه تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ } [سورة المؤمنون، الآية 51] وجعلُه حكايةً عن قومِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بحملِ صيغةِ الجمعِ على تغليبِه على سائرِ المنذرينَ عليهم السَّلامُ، وتوجيُه كفرِهم إلى مَا أرسلَ به الكُلُّ من التوحيدِ لإجماعِهم عليهِ كما في نظائرِ قولِه تعالى:كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } [سورة الشعراء، الآية 123] تمحُّلٌ بعيدٌ يردُّه بالكلِّيةِ قولُه تعالى { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } أي بالاستئصالِ { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } من الأممِ المذكورينَ فلا تكترثْ بتكذيبِ قومِكَ. { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمَ } أي واذكُرْ لهم وقتَ قولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } المُكبِّـينَ على التقليدِ كيفَ تبرأَ ممَّا هم فيهِ بقولِه { إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ } وتمسكَ بالبرهانِ ليسلكُوا مسلكَهُ في الاستدلالِ أو ليقلدوه إن لم يكُن لهم بدٌّ من التقليدِ فإنه أشرفُ آبائِهم وبَراءٌ مصدرٌ نُعتَ به مبالغةً ولذلكَ يستوِي فيه الواحدُ والمتعددُ والمذكرُ والمؤنثُ. وقُرِىءَ بَرِيءٌ وبُرَاءٌ بضمِّ الباءِ ككريمٍ وكرامٍ ومَا إمَّا مصدريةٌ أو موصولةٌ حذفَ عائدُها أيْ إننِي بريءٌ من عبادتِكم أو معبودِكم.

{ إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى } استثناءٌ منقطعٌ أو متصلٌ على أنَّ مَا تعمُّ أولي العلم وغيرهم وأنَّهم كانُوا يعبدونَ الله والأصنامَ أو صفةٌ على أن مَا موصوفةٌ أي إنني براءٌ من آلهةٍ تعبدونَها غيرَ الذي فَطَرني { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } أي سيثبتنِي على الهدايةِ أو سيهدينِ إلى ما وراءَ الذي هَدَاني إليهِ إلى الآنَ والأوجهُ أنَّ السينَ للتأكيدِ دونَ التسويفِ، وصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على الاستمرارِ.