الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } * { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }

{ وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ } أيُّ مصيبةٍ كانتْ { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } أي فهيَ بسببِ معاصيكُم التي اكتسبتمُوها. والفاءُ لأنَّ ما شرطيةٌ أو متضمنةٌ لمَعْنى الشرطِ. وقُرِىءَ بدونِها اكتفاءً بما في الباء من مَعْنى السببـيةِ. { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } من الذنوبِ فلا يعاقبُ عليها. والآيةُ مخصوصةٌ بالمجرمينَ فإنَّ ما أصابَ غيرَهُم لأسبابٍ أُخرى منها تعريضُه للثوابِ بالصبرِ عليهِ { وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } فائتينَ ما قُضِيَ عليكُم من المصائبِ وإن هربتُم من أقطارِها كلَّ مهربٍ. { وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ } يحميكُم منَها { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفعُها عنكُم.

{ وَمِنْ ءايَـٰتِهِ ٱلْجَوَارِ } السفنُ الجاريةُ { فِى ٱلْبَحْرِ } وقُرِىءَ الجَوَارِي { كَٱلأَعْلَـٰمِ } أي كالجبالِ على الإطلاقِ لا التي عليها النارُ للاهتداءِ خاصَّة. { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرّيحَ } التي تُجريَها. وقُرُىءَ الرياحَ. { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } فيبقينَ ثوابتَ على ظهرِ البحرِ أي غيرَ جارياتٍ لا غيرَ متحركاتٍ أصلاً. { إِنَّ فِى ذَلِكَ } الذي ذُكِرَ من السفنِ اللاتِي يجرينَ تارةً ويركُدنَ أُخْرى على حسب مشيئتِه تعالَى { لاَيَاتٍ } عظيمةً في أنفسها كثيرةً في العددِ دالةً على ما ذُكِرَ منْ شؤونِه تعالَى. { لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } لكلِّ مَنْ حبسَ نفسَهُ عن التوجِه إلى ما لا ينبغِي ووكَّلَ همَّتَهُ بالنظرِ في آياتِ الله تعالَى والتفكرِ في آلائِه أو لكلِّ مؤمنٍ كاملٍ، فإنَّ الإيمانَ نصفُهُ صبرٌ ونصفُهُ شكرٌ. { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } عطفٌ على يُسكنْ والمعنى إن يشأ يسكن الريحَ فيركدنَ أو يرسلْهَا فيغرقنَ بعصفِها. وإيقاعُ الإيباقِ عليهنَّ مع أنَّه حالُ أهلهنَّ للمبالغةِ والتهويلِ. وإجراءُ حُكمِه على العفوِ في قولِه تعالَى { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } لِما أنَّ المَعْنى أو يُرسلْها فيوبقْ ناساً ويُنجِ آخرينَ بطريق العفوِ عنهُم. وقُرِىءَ ويعفُو على الاستئناف { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } عطفٌ على علة مقدرةٍ مثل لينتقمَ منهم وليعلم الخ كما في قولِه تعالَى:وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ } [سورة مريم، الآية 21] وقوله:وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } [سورة يوسف، الآية 31] ونظائِرِهِما. وقُرِىءَ بالرفعِ على الاستئنافِ وبالجزمِ عطفاً على يعفُ فيكونُ المَعْنى وإنْ يشأْ يجمعْ بـينَ إهلاكِ قومٍ وإنجاءِ قومٍ وتحذيرِ قومٍ. { مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ } أي منْ مهربٍ من العذابِ. والجملةُ معلّقٌ عنها الفعلُ.