الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ ذٰلِكَ } الفضلُ الكبـيرُ هو { ٱلَّذِى يُبَشّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ } أي يبشرُهم به، فحذفَ الجارُّ ثمَّ العائدَ إلى الموصول كما في قوله تعالى:أَهَـٰذَا ٱلَّذِى بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } [سورة الفرقان، الآية 41] أو ذلكَ التبشيرُ الذي يبشرُه الله تعالَى عبادَهُ { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ }. وقُرِىءَ يُبْشِرُ منْ أبشرَ.

{ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } رُويَ أنَّه اجتمعَ المشركونَ في مجمعٍ لهم فقالَ بعضُهم لبعضٍ: أترونَ أنَّ محمداً يسألُ على ما يتعاطاهُ أجراً فنزلتْ. أيْ لا أطلبُ منكُم على ما أنا عليهِ من التبليغ والبشارة { أَجْراً } نفعاً { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } أيْ إلا أن تودُّون لقرابتي منكم أو تودُّوا أهل قرابتي، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لا أسألُكم أجراً قَطُّ ولكنْ أسألُكم الموَّدةَ. وفي القُربـي حالٌ منَها أيْ إلا المودَّةَ ثابتةً في القُربى متمكنةً في أهلِها أو في حقَ القرابةِ. والقُرْبى مصدرٌ كالزُّلْفى بمَعْنى القَرَابةِ. رُويَ أنَّها لما نزلتْ " قيلَ: يا رسولَ الله مَنْ قرابتُكَ هؤلاءِ الذينَ وجبتْ علينا مودَّتُهم؟ قالَ عليٌّ وفاطمةُ وابناهُمَا " وعن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " حُرِّمتْ الجنةُ على مَنْ ظلمَ أهلَ بـيتِي وآذانِي في عِتْرتِي، ومن اصطنعَ صنيعةَّ إلى أحدٍ من ولدِ عبدِ المطلبِ ولمْ يجازِهْ فأَنَا أجازيهِ عليها غداً إذا لَقِيَنِي يومَ القيامةِ " وقيلَ: القُرْبَى التقربُ إلى الله أيْ إلاَّ أن تودُّوا الله ورسولَهُ في تقربكم إليهِ بالطاعةِ والعملِ الصالحِ. وقُرِىءَ إلا مودَّةً في القُربَى. { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } أي يكتسبْ أيَّ حسنةٍ كانتْ فتتناولُ مودَّةَ ذِي القُرْبى تناولاً أولياً. وعن السُدِّيِّ: أنَّها المرادةُ، وقيلَ: نزلتْ في الصدِّيقِ رضيَ الله عنه ومودَّتهُ فيهم. { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا } أيْ في الحسنة { حُسَنًا } بمضاعفةِ الثوابِ. وقُرِىءَ يَزِدْ أيْ يزدِ الله وقُرِىءَ حُسْنَى. { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لمن أذنبَ. { شَكُورٍ } لمن أطاعَ بتوفيقِه للثوابِ والتفضلِ عليهِ بالزيادةِ.

{ أَمْ يَقُولُونَ } بلْ أيقولونَ { ٱفْتَرَىٰ } محمدٌ { عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } بدعوى النبوةِ وتلاوةِ القُرآنِ، على أنَّ الهمزةَ للإنكار التوبـيخيِّ كأنَّه قيلَ: أيتمالكونَ أنْ ينسُبُوا مثلَه عليهِ السَّلامُ. وهُوَ هُوَ. إلى الافتراء لا سيَّما الافتراءُ على الله الذي هُو أعظمُ الفِرَى وأفحشُها. وقولُه تعالَى { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } استشهادٌ على بُطلان ما قالُوا ببـيان أنَّه عليه السَّلامُ لو افتَرى على الله تعالَى لمنعَهُ من ذلك قطعاً، وتحقيقُه أنَّ دعوى كونِ القرآنِ افتراءً عليه تعالَى قولٌ منهم بأنَّه تعالَى لا يشاءُ صدورَهُ عن النبِّـي صلى الله عليه وسلم بلْ يشاءُ عدمَ صدورِه عْنهُ ومن ضرورتِه منعُه عنْهُ قطعاً، فكأنَّه قيلَ: لو كانَ افتراءً عليه تعالَى لشاءَ عدمَ صدورِه عنكَ وإنْ يشأْ ذلكَ يختُم على قلبكَ بحيثُ لم يخطُرْ ببالك معنىً منْ معانيه ولم تنطقْ بحرفٍ من حروفِه وحيثُ لم يكُنِ الأمرُ كذلكَ بلْ تواترَ الوحي حيناً فحيناً تبـين أنَّه من عندِ الله تعالَى.

السابقالتالي
2