الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } * { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } فدللناهُم على الحقِّ بنصبِ الآياتِ التكوينيةِ وإرسالِ الرسلِ وإنزالِ الآياتِ التشريعيةِ وأزحنَا عللَهمُ بالكليةِ وقد مرَّ تحقيقُ مَعنى الهُدى في تفسيرِ قولِه تعالى:هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [سورة البقرة: الآية 2]. وقُرِىءَ ثمودَ بالنصبِ بفعلِ يفسرُه ما بعدَهُ ومنوناً في الحالينِ وبضمِّ الثاءِ { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } أي اختارُوا الضلالةَ على الهدايةِ { فَأَخَذَتْهُمْ صَـٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } داهيةُ العذابِ وقارعةُ العذابِ والهُون الهَوانُ وصفَ به العذابُ مبالغةً أو أُبدلَ منْهُ { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } منَ اختيارِ الضلالةِ { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } منْ تلكَ الصاعقةِ { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ } شروعٌ في بـيانِ عقوباتِهم الآجلةِ إثرَ بـيانِ عقوباتِهم العاجلةِ. والتعبـيرُ عنهم بأعداءِ الله تعالى لذمِّهم والإيذانِ بعلةِ ما يحيقُ بهم منِ ألوانِ العذابِ، وقيلَ: المرادُ بهم الكفارُ من الأولينَ والآخرينَ ويردُّه ما سيأتِي من قولِه تعالى:فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } [سورة فصلت: الآية 25 وسورة الأحقاف: الآية 18] وقُرىءَ يَحْشُر على بناءِ الفاعلِ ونصبِ أعداءُ الله وبنونِ العظمةِ وضمِّ الشينِ وكسرِهَا { إِلَى ٱلنَّارِ } أيْ إلى موقفِ الحسابِ إذْ هناكَ تتحققُ الشهادةُ الآتيةُ لا بعد تمامِ السؤالِ والجوابِ وسَوقهم إلى النَّارِ والتعبـير عنه بالنَّارِ إما للإيذانِ بأنَّها عاقبةُ حشرِهم وأنهم على شرفِ دخولِها وإما لأنَّ حسابَهُم يكونُ على شفيرِها. ويومَ إما منصوبٌ باذكُرْ أو ظرفٌ لمضمرٍ مُؤخرٍ قد حُذِفَ إيهاماٍ لقصورِ العبارةِ عن تفصيلِه كَما مرَّ في قولِه تعالَى:يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } [سورة المائدة: الآية 109] وقيل: ظرفٌ لما يدلُّ عليه قولُه تعالى { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي يُحبسُ أولهم على آخِرِهم ليتلاحقُوا وهو عبارةٌ عنْ كثرتِهم وقيل: يساقُون ويُدفعون إلى النَّارِ. وقولُه تعالَى { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا } أي جميعاً غايةٌ ليُحْشَرُ أو ليوزعونَ أي حتَّى إذَا حضرُوها. ومَا مزيدةٌ لتأكيدِ اتصالِ الشهادةِ بالحضورِ { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدُّنيا من فنونِ الكفرِ والمعاصِي بأنْ يُنطقَها الله تعالى أو يظهرَ عليها آثارَ ما اقترفُوا بهَا. وعن ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهما أنَّ المرادَ بشهادةِ الجلودِ شهادةُ الفروجِ وهو الأنسبُ بتخصيصِ السؤالِ بَها في قولِه تعالى { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } فإن ما تشهدُ به من الزنا أعظمُ جنايةً وقبحاً وأجلبُ للخِزي والعقوبةِ مما يشهدُ به السمعُ والأبصارُ من الجناياتِ المكتسبةِ بتوسُّطِهما. وقيلَ: المرادُ بالجلودِ الجوارحُ أي سألُوها سؤالَ توبـيخٍ، لما رُوي أنَّهم قالُوا لها فعنكُنَّ كنا نناضِلُ، وفي روايةٍ بُعداً لكُنَّ وسُحْقاً، عنكنَّ كنتُ أجادلُ. وصيغةُ جمعِ العقلاءِ في خطابِ الجلودِ وفي قولِه تعالى: { قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء } لوقوعِها في موقعِ السؤالِ والجوابِ المختصَّينِ بالعقلاءِ أي أنطقنَا الله الذي أنطقَ كلَّ ناطقٍ وأقدرنا على بـيانِ الواقعِ فشهدنَا عليكم بمَا عملتُم بواسطتِنا من القبائحِ ما كتمناهَا.

السابقالتالي
2