الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } أي وما صح له ولا لاقَ بحاله { أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً } بغير حقَ فإن الإيمانَ زاجرٌ عن ذلك { إِلا خطأ } فإنه ربما يقع لعدم دخولِ الاحترازِ عنه بالكلية تحت الطاقةِ البشريةِ، وانتصابُه إما على أنه حالٌ أي وما كان له أن يقتلَ مؤمناً في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ أو على أنه المفعولُ له أي وما كان له أن يقتله لعِلّة من العلل إلا للخطأ أو على أنه صفةٌ للمصدر أي إلا قتلاً خطأً، وقيل: إلا بمعنى ولا، والتقديرُ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً عمداً ولا خطأً، وقيل: { مَا كَانَ } نفيٌ في معنى النهي، والاستثناءُ منقطِعٌ أي لكنْ إن قتله خطأً فجزاؤُه ما يُذكر، والخطأُ ما لا يقارِنه القصْدُ إلى الفعل أو إلى الشخص، أو لا يُقصد به زُهوقُ الروحِ غالباً أو لا يقصد به محظورٌ كرمي مُسلمٍ في صف الكفارِ مع الجهل بإسلامه، وقرىء خَطاءً بالمد وخَطاً كعصا بتخفيف الهمزة. روي أن عياشَ بنَ أبـي ربـيعةَ وكان أخا أبـي جهلٍ لأمّه أسلم وهاجر إلى المدينة خوفاً من أهله وذلك قبل هجرةِ النبـي عليه الصلاة والسلام فأقسمَتْ أمُّه لا تأكلُ ولا تشربُ ولا يَأْويها سقفٌ حتى يرجِع فخرج أبو جهل ومعه الحارثُ بنُ زيدِ بنِ أبـي أنيسةَ فأتياه وهو في أطم ففتل منه أبو جهل في الذُّروة والغارب وقال: أليس محمدٌ يحثُّك على صلة الرحِمِ؟ انصرِفْ وبَرَّ أمَّك وأنت على دينك حتى نزل وذهب معهما فلما فسَحا من المدينة كتَفاه وجلَده كلُّ واحد منهما مائةَ جلدةٍ فقال للحارثِ: هذا أخي فمن أنت يا حارث؟ لله علي إن وجدتك خالياً أن أقتلَك، وقدِما به على أمه فحلفت لا يُحَلُّ كِتافُه أو يرتدَّ ففعل بلسانه ثم هاجر بعد ذلك، وأسلم الحارثُ وهاجر فلقِيَه عياشُ بظهر قُباءَ ولم يشعُرْ بإسلامه فأنحىٰ عليه فقتله ثم أُخبر بإسلامه فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلتُه ولم أشعُرْ بإسلامه فنزلت { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي فعليه أو فجزاؤُه تحريرُ رقبةٍ أي إعتاقُ نسمةٍ عبّر عنها بها كما يعبّر بالرأس { مُؤْمِنَةٍ } أي محكومٌ بإسلامها وإن كانت صغيرة { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } مؤدّاةٌ إلى ورثته يقتسِمونها كسائر المواريثِ لقول الضحاك بنِ سفيانَ الكِلابـيّ: كتب إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرني أن أُورّث امرأةَ أشيمَ الضبابـيّ من عقْل زوجِها { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي إلا أن يتصدق أهلُه عليه سمِّي العفوُ عنها صدقةً حثاً عليه وتنبـيهاً على فضله، وعن النبـي عليه الصلاة والسلام: " كلُّ معروفٍ صدقةٌ " وقرىء إلا أن يتصدقوا وهو متعلقٌ بعليه أو بمُسلّمة أي تجب الديةُ أو يسلّمها إلى أهله إلا وقت تصدقِهم عليه فهو في محل النصبِ على الظرفية أو إلا حالَ كونِهم متصدِّقين عليه فهو حالٌ من الأهل أو القاتلِ { فَإن كَانَ } أي المقتولُ { مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ } كفارٍ محاربـين { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ولم يَعْلم به القاتلُ لكونه بـين أظهُرِ قومِه بأن أسلم فيما بـينهم ولم يفارقْهم أو بأن أتاهم بعدما فارقهم لِمُهمَ من المهمات { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي فعلى قاتله الكفارةُ دون الديةِ إذ لا وِراثة بـينه وبـين أهلِه لأنهم محارَبون { وَإِن كَانَ } أي المقتولُ المؤمنُ { مِن قَوْمٍ } كفرَة { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } أي عهدٌ مؤقتٌ أو مؤبدٌ { فَدِيَةٌ } أي فعلى قاتله ديةٌ { مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } من أهل الإسلامِ إن وجدوا.

السابقالتالي
2