الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } * { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }

وقوله تعالى: { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } أي من ثوابها، جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لبـيان أن له عليه الصلاة والسلام فيما أُمر به من تحريض المؤمنين حظاً موفوراً، فإن الشفاعةَ هي التوسُّطُ بالقول في وصول شخصٍ إلى منفعة من المنافع الدنيويةِ أو الأخروية، أو خلاصِه من مضَرّة ما كذلك، من الشفْع كأن المشفوعَ له كان فرداً فجعله الشفيعُ شَفْعاً، والحسنةُ منها ما كانت في أمر مشروعٍ رُوعي بها حقُّ مسلمٍ ابتغاءً لوجه الله تعالى من غير أن يتضمَّن غرضاً من الأغراض الدنيويةِ، وأيُّ منفعة أجلُّ مما قد حصل للمؤمنين بتحريضه عليه الصلاة والسلام على الجهاد من المنافع الدنيويةِ والأخرويةِ؟ وأيُّ مضرةٍ أعظمُ مما تخلّصوا منه بذلك من التثبّط عنه؟ ويندرج فيها الدعاءُ للمسلم فإنه شفاعةٌ إلى الله سبحانه وعليه مَساقُ آيةِ التحيةِ الآتية، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من دعا لأخيه المسلمِ بظهر الغيبِ استُجيب له وقال له المَلَكُ: ولك مثلُ ذلك " وهذا بـيانٌ لمقدار النصيبِ الموعود { وَمَن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً سَيّئَةً } وهي ما كانت بخلاف الحسنةِ { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } أي نصيب من وِزْرها مساوٍ لها في المقدار من غير أن يَنْقُصَ منه شيءٌ { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتاً } أي مقتدراً، من أقات على الشيء إذا اقتدر عليه أو شهيداً حفيظاً، واشتقاقُه من القُوت، فإنه يقوِّي البدَنَ ويحفَظُه، والجملةُ تذيـيلٌ مقرِّرٌ لما قبلها على كلا المعنيـين.

{ وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ } ترغيبٌ في فرد شائعٍ من أفراد الشفاعةِ الحسنةِ إثرَ ما رُغِّبَ فيها على الإطلاق وحُذِّر عما يقابلها من الشفاعة السيئةِ، وإرشادٌ إلى توفية حقِّ الشفيعِ، وكيفيةِ أدائِه، فإن تحيةَ الإسلامِ من المسلم شفاعةٌ منه لأخيه إلى الله تعالى، والتحيةُ مصدر حيَّا أصلُها تحْيِـيَةٌ، كتسمية من سمَّى وأصلُ الأصلِ تَحْيِـيٌّ بثلاث ياءاتٍ فحُذفت الأخيرةُ وعُوِّضَ عنها تاءُ التأنيثِ وأُدغمت الأولى في الثانية بعد نقلِ حركتِها إلى الحاء. قال الراغبُ: أصلُ التحية الدعاءُ بالحياة وطولِها ثم استعملت في كل دعاءٍ، وكانت العربُ إذا لقِيَ بعضُهم بعضاً يقول: حياك الله، ثم استعملها الشرعُ في السلام وهي تحيةُ الإسلامِ، وقال تعالى:تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ } [إبراهيم، الآية 23] وقال:فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النور، الآية 61] قالوا: في السلام مزيةٌ على التحية لما أنه دعاءٌ بالسلامة من الآفات الدينيةِ والدنيويةِ، وهي مستلزِمةٌ لطول الحياةِ وليس في الدعاء بطول الحياةِ ذلك، ولأن السلامَ من أسمائه تعالى فالبَداءةُ بذكره مما لا ريبَ في فضله ومزّيتِه، أي إذا سُلِّم عليكم من جهة المؤمنين { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا } أي بتحيةٍ أحسنَ منها بأن تقولوا: وعليكم السلامُ ورحمةُ الله إن اقتصر المُسلمُ على الأول وبأن تَزيدوا وبركاتُه إن جمعهما المسلمُ وهي النهايةُ لانتظامها لجميع فنونِ المطالبِ التي هي السلامةُ عن المضارِّ ونيلُ المنافعِ ودوامُها ونماؤُها.

السابقالتالي
2