الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً }

{ وَيَقُولُونَ } شروعٌ في بـيان معاملتِهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بـيانِ وجوبِ طاعتِه، أي يقولون إذا أمرتَهم بشيء { طَاعَةٌ } أي أمرُنا وشأنُنا طاعةٌ أو منا طاعةٌ، واالأصلُ النصبُ على المصدر، والرفعُ للدِلالة على الثبات كسلام { فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ } أي خرجوا من مجلسك { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ } أي من القائلين المذكورين وهم رؤساؤُهم { غَيْرَ ٱلَّذِى تَقُولُ } أي زوَّرتْ طائفةٌ منهم وسوَّتْ خلافَ ما قالت لك من القَبول وضمانِ الطاعةِ، لأنهم مُصِرُّون على الرد والعصيانِ، وإنما يُظهرون ما يُظهرون على وجه النفاقِ، أو خلافَ ما قلتَ لها، والتبـيـيتُ إما من البـيتوته لأنه قضاءُ الأمرِ وتدبـيرُه بالليل، يقال: هذا أمرٌ بُـيِّت بليل، وإما من بـيت الشِّعر لأن الشاعر يُدبِّره ويسوِّيه، وتذكيرُ الفعلِ لأن تأنيثَ الطائفةِ غيرُ حقيقيَ، وقرىء بإدغام التاء في الطاء لقُرب المخرَجِ، وإسنادُه إلى طائفة منهم لبـيان أنهم المتصدّون له بالذات والباقون أتباعٌ لهم في ذلك لا لأن الباقين ثابتون على الطاعة.

{ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ } أي يكتُبه في جملة ما يوحىٰ إليك فيُطلعُك على أسرارهم فلا يحسَبوا أن مكرَهم يخفىٰ عليكم فيجدون بذلك إلى الإضرار بكم سبـيلاً، أو يُثبتُه في صحائفهم فيجازيهم عليه، وأياً ما كان فالجملةُ اعتراضيةٌ { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي لا تُبالِ بهم وبما صنعوا، أو تَجافَ عنهم ولا تتصدَّ للانتقام منهم، والفاءُ لسببـية ما قبلها لما بعدها.

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } في كل ما تأتي وما تذر لا سيما في شأنهم، وإظهارُ الجلالةِ في مقام الإضمارِ للإشعار بعلة الحُكمِ { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } فيكفيك مَرَّتَهم وينتقم لك منهم، والإظهارُ هٰهنا أيضاً لما مر وللتنبـيه على استقلال الجملةِ واستغنائِها عما عداها من كل وجه.

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ } إنكارٌ واستقباحٌ لعدم تدبُّرِهم القرآنَ وإعراضِهم عن التأمل فيما فيه من موجبات الإيمانِ، وتدبُّر الشيءِ تأمّلُه والنظرُ في أدباره ما يؤول إليه في عاقبته ومنتهاه، ثم استعمل في كل تفكرٍ ونظرٍ، والفاءُ للعطف على مقدر أي أيُعرِضون عن القرآن فلا يتأملون فيه ليعلموا كونَه من عند الله تعالى بمشاهدة ما فيه من الشواهد التي من جملتها هذا الوحيُ الصادقُ والنصُّ الناطقُ بنفاقهم المحكيِّ على ما هو عليه.

{ وَلَوْ كَانَ } أي القرآنُ { مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ } كما يزعُمون { لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } بأن يكون بعضُ أخبارِه غيرَ مطابقٍ للواقع، إذ لا علمَ بالأمور الغيبـيةِ ماضيةً كانت أو مستقبلةً لغيره سبحانه، وحيث كانت كلُّها مطابقةً للواقع تعيَّن كونُه من عنده تعالى. قال الزجاج: ولولا أنه من عند الله تعالى لكان ما فيه من الإخبار بالغيب ــ مما يُسِرُّه المنافقون وما يُبـيِّتونه ــ مختلفاً، بعضُه حقٌّ وبعضُه باطلٌ، لأن الغيبَ لا يعلمه إلا الله تعالى.

السابقالتالي
2