الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } * { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } * { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }

{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ } أي لو أوجبْنا عليهم مثلَ ما أوجبنا على بني إسرائيلَ من قتلهم أنفسَهم أو خروجهم من ديارهم حين استتابتِهم من عبادة العجلِ، و { أن } مصدريةٌ أو مفسرةٌ لأنّا كتبنا في معنى أمَرْنا { مَّا فَعَلُوهُ } أي المكتوبَ المدلولَ عليه بكتبْنا أو أحدِ مصدرَي الفعلين { إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } أي إلا أناسٌ قليلٌ منهم وهم المخلِصون من المؤمنين، وروي عن عمرَ رضي الله عنه أنه قال: والله لو أمَرَنا ربُّنا لفعلْنا والحمدُ لله الذي لم يفعلْ بنا ذلك، وقيل: معنى اقتُلوا أنفسَكم تعرَّضوا بها للقتل بالجهاد، وهو بعيدٌ وقرىء إلا قليلاً بالنصب على الاستثناء أو إلا فِعلاً قليلاً { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ } من متابعة الرسولِ عليه الصلاة والسلام وطاعتِه والانقيادِ لما يراه ويحكمُ به ظاهراً وباطناً، وسُمِّيت أوامرُ الله تعالى ونواهيه مواعِظَ لاقترانها بالوعد والوعيد { لَكَانَ } أي فعلُهم ذلك { خَيْراً لَّهُمْ } عاجلاً وآجلاً { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } لهم على الإيمان وأبعدَ من الاضطراب فيه وأشدَّ تثبـيتاً لثواب أعمالِهم.

{ وَإِذاً لآتَيْنَـٰهُمْ مّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً } جوابٌ لسؤال مقدرٍ كأنه قيل: وماذا يكون لهم بعد التثبـيتِ؟ فقيل: وإذن لو ثبتوا لآتيناهم فإن إذن جوابٌ وجزاءٌ. { وَلَهَدَيْنَـٰهُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } يصِلون بسلوكه إلى عالم القدسِ [والطهارة] ويفتح لهم أبوابَ الغيبِ، قال عليه الصلاة والسلام: " من عمِل بما علِم ورَّثه الله تعالى علمَ ما لم يعلَمْ " { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } كلامٌ مستأنفٌ فيه فضلُ ترغيبٍ في الطاعة ومزيدُ تشويقٍ إليها ببـيان أن نتيجتَها أقصى ما يَنتهي إليه هممُ الأممِ وأرفعُ ما يمتدُّ إليه أعناقُ عزائمِهم من مجاورة أعظمِ الخلائقِ مقداراً وأرفعِهم مناراً، متضمِّنٌ لتفسير ما أُبهم في جواب الشرطيةِ السابقةِ وتفصيل ما أُجمل فيه، والمرادُ بالطاعة هو الانقيادُ التامُّ والامتثالُ الكاملُ لجميع الأوامرِ والنواهي { فَأُوْلَـئِكَ } إشارةٌ إلى المطيعين، والجمعُ باعتبار معنى مَنْ كما أن الإفرادَ في فعل الشرطِ باعتبار لفظِها، وما فيه من معنى البُعد مع القُرب في الذكر للإيذان بعلوّ درجتِهم وبُعد منزلتِهم في الشرف، وهو مبتدأٌ خبرُه { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } والجملةُ جوابُ الشرطِ وتركُ ذكرِ المنعَمِ به للإشعار بقصور العبارةِ عن تفصيله وبـيانِه { مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ } بـيانٌ للمنعَم عليهم، والتعرّضُ لمعيّة سائرِ الأنبـياءِ عليهم الصلاةُ والسلام مع أن الكلامَ في بـيان حكمِ طاعةِ نبـيِّنا عليه الصلاة والسلام لجرَيانِ ذكرِهم في سبب النزولِ مع ما فيه من الإشارة إلى أن طاعتَه عليه الصلاةُ والسلام متضمِّنةٌ لطاعتهم لاشتمالِ شريعتِه على شرائعهم التي لا تتغيرُ بتغيّر الأعصار. رُوي أن نفراً من أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبـيَّ الله إن صِرْنا إلى الجنة تفضُلُنا بدرجات النبوةِ فلا نراك.

السابقالتالي
2