الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ } مَنْ إما شرطيةٌ ما بعدها شرطُها، أو موصولةٌ ما بعدها صلتُها والظرفُ متعلقٌ بمحذوف وقع حالاً من فاعل يستطِعْ أي حالَ كونِه منكم وقوله تعالى: { طُولاً } أي غنىً وسعة أي اعتلاءً ونيلاً، وأصلُه الزيادةُ والفضلُ، مفعولٌ ليستطِعْ وقوله عز وجل: { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } إما مفعولٌ صريح لطَولاً، فإن أعمالَ المصدرِ المنوَّنِ شائعٌ ذائعٌ كما في قوله تعالى:أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } [البلد، الآية 14، 15] كأنه قيل: ومن لم يستطعْ منكم أن ينال نكاحَهن، وإما بتقدير حرفِ الجرِّ أي ومن لم يستطعْ منكم غِنىً إلى نكاحهن أو لنكاحهن، فالجارُّ في محل النصبِ صفةٌ لطولاً أي طَوْلاً مُوصِلاً إليه أو كائناً له أو على نكاحهن، على أن الطَولَ بمعنى القُدرة. في القاموس الطَّوْلُ والطائلُ والطائلةُ الفَضْلُ والقُدْرَةُ والغِنَى والسَّعَةُ، ومحلُّ أن بعد حذفِ الجارِّ نَصْبٌ عند سيبويهِ والفراءِ وجرٌّ عند الكسائيِّ والأخفشِ، وإما بدلٌ من طولاً لأن الطَوْلَ فضلٌ والنكاحُ قدرةٌ، وإما مفعولٌ ليستطِعْ وطَوْلاً مصدرٌ مؤكدٌ له لأنه بمعناه، إذ الاستطاعةُ هي الطَّوْلُ، أو تميـيزٌ، أي ومن لم يستطع منكم نكاحَهن استطاعةً أو من جهة الطَوْل والغِنى أي لا من جهة الطبـيعةِ والمزاجِ فإن عدمَ الاستطاعةِ من تلك الجهةِ لا تعلقَ له بالمقام، والمرادُ بالمحصنات الحرائرُ بدليل مقابلتِهن بالمملوكات، فإن حريتَهن أحصَنَتْهن عن ذل الرقِّ والابتذالِ وغيرِهما من صفات القصورِ والنقصان. وقوله عز وجل: { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } إما جوابٌ للشرط أو خبرٌ للموصول، والفاءُ لتضمُّنه معنى الشرطِ، والجارُّ متعلقٌ بفعل مقدرٍ حُذف مفعولُه، وما موصولةٌ أي فلينكِح امرأةً أو أمةً من النوع الذي ملكتْه أيمانُكم وهو في الحقيقة متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لذلك المفعولِ والمحذوفِ، ومِنْ تبعيضيةٌ أي فلينكِح امرأةً كائنةً من ذلك النوعِ، وقيل: مِنْ زائدةٌ والموصولُ مفعولٌ للفعل المقدر أي فلينكِحْ ما ملكتْه أيمانُكم وقولُه تعالى: { مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } في محل النصبِ على الحالية من الضمير المقدر في ملكت الراجعِ إلى ما، وقيل: هو المفعولُ للفعل المقدر على زيادة ومما ملكتْ متعلقٌ بنفس الفعلِ ومن لابتداء الغايةِ، أو بمحذوف وقع حالاً من فتياتكم ومِنْ للتبعيض أي فلينكِحْ فتياتِكم كائناتٍ بعضَ ما ملكت أيمانُكم والمؤمناتِ صفةٌ لفتياتكم على كل تقدير، وقيل: هو المفعولُ للفعل المقدرِ ومما ملكت على ما تقدم آنفاً ومن فتياتكم حالٌ من العائد المحذوفِ.

وظاهرُ النظمِ الكريمِ يفيد عدمَ جوازِ نكاحِ الأمةِ الكتابـيةِ أصلاً كما هو رأيُ أهلِ الحجازِ، وقد جوزهما أبو حنيفة رحمه الله تعالى متمسكاً بالعمومات فمَحْمَلُ الشرطِ والوصفِ هو الأفضليةُ ولا نِزاعَ فيها لأحد، وقد رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: ومما وسع الله على هذه الأمةِ نكاحُ الأمةِ واليهوديةِ والنصرانيةِ وإن كان موسِراً وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ } جملةٌ معترضةٌ جيء بها لتأنيسهم بنكاح الإماءِ واستنزالِهم من رتبة الاستنكافِ منه ببـيان أن مناطَ التفاضُل ومدارَ التفاخُرِ هو الإيمانُ دون الأحساب والأنسابِ على ما نطَق به قولُه عز قائلاً:

السابقالتالي
2 3