الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ } بفتح الصاد وهن ذواتُ الأزواجِ أحصنهنّ التزوجُ أو الأزواجُ أو الأولياءُ أي أَعَفَّهن عن الوقوع في الحرام، وقرىء على صيغة اسمِ الفاعلِ فإنهن أحصَنَّ فزوجَهن عن غير أزواجِهن، أو أحصَنَّ أزواجَهن. وقيل: الصيغةُ للفاعل على القراءة الأولى أيضاً وفتحُ الصادِ محمولٌ على الشذوذ كما في نظيريه مُلقَح ومسهَب من ألقح وأسهب، قيل: قد ورد الإحصانُ في القرآن على أربعة معانٍ، الأولُ: التزوجُ كما في هذه الآية الكريمةِ، والثاني: العفةُ كما في قوله تعالى: { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } [النساء، الآية 24]، الثالث: الحريةُ كما في قوله تعالى:وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } [سورة النساء، الآية 25] والرابع: الإسلامُ كما في قوله تعالى: { فَإِذَا أُحْصِنَّ } [سورة النساء، الآية 25] قيل في تفسيره: أي أسلمن وهي معطوفةٌ على المحرمات السابقة، وقوله تعالى: { مّنَ ٱلنّسَاء } متعلقٌ بمحذوف وقع حالاً منها أي كائناتٍ من النساء، وفائدتُه تأكيدُ عمومِها في دفع توهُّمِ شمولِها للرجال بناءً على كونها صفةً للأنفس كما تُوهِّم { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } استثناءٌ من المحصَنات استثناءَ النوعِ من الجنس، أي ملكتُموه، وإسنادُ المِلكِ إلى الأَيْمان لما أن سببَه الغالبَ هو الصفةُ الواقعةُ بها وقد اشتهر ذلك في الإرِقاء، لا سيما في إناثهم وهن المراداتُ هٰهنا رعايةً للمقابلة بـينه وبـين مِلكِ النكاحِ الواردِ على الحرائر، والتعبـيرُ عنهن بما لإسقاطهن بما فيهن من قصور الرقِّ عن رتبة العقلاءِ، وهي إما عامةٌ حسب عمومِ صلتِها فالاستثناءُ حينئذ ليس لإخراج جميعِ أفرادِها من حكم التحريمِ بطريق شمولِ النفي بل بطريق نفيِ الشمولِ المستلزِمِ لإخراج بعضِها أي حُرمت عليكم المحصَناتُ على الإطلاق إلا المحصناتِ اللاتي ملكتُموهن فإنهن لسن من المحرمات على الإطلاق بل فيهن من لا يحرُم نكاحُهن في الجملة وهن المسْبـياتُ بغير أزواجِهن أو مطلقاً حسب اختلافِ الرأيـين، وإما خاصةٌ بالمذكورات فالمعنى: حُرمت عليكم المحصناتُ إلا اللاتي سُبِـين فإن نكاحَهن مشروعٌ في الجملة أي لغير مُلاّكِهن، وأما حِلُّهن لهم بحكم ملكِ اليمينِ فمفهومٌ بدِلالة النصِّ لاتحاد المَناطِ لا بعبارته لما عرفت من أن مَساقَ النظمِ الكريمِ لبـيان حرمةِ التمتعِ بالمحرمات المعدودةِ بحكم ملكِ النكاحِ، وإنما ثبوتُ حرمةِ التمتعِ بهن بحكم مِلكِ اليمينِ بطريق دِلالةِ النصِّ وذلك مما لا يجري فيه الاستثناءُ قطعاً، وأما عدُّهن من ذوات الأزواج مع تحقق الفُرقةِ بـينهن وبـين أزواجِهن قطعاً بالتبايُن أو بالسبْـي على اختلاف الرأيـين فمبنيٌّ على اعتقاد الناسِ حيث كانوا حينئذ غافلين عن الفُرقة، ألا ترى إلى ما رُوي عن أبـي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه من أنه قال: أصبْنا يومَ أوطاس سبايا لهن أزواجٌ فكرِهْنا أن نقَع عليهن فسألنا النبـيَّ عليه السلام.

السابقالتالي
2 3