الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ } هما الزاني والزانيةُ تغليباً، قال السدي أُريد بهما البِكْران منهما كما ينبىء عنه كونُ عقوبتهِما أخفَّ من الحبس المخلّد وبذلك يندفع التكرارُ إلا أنه يبقى حكمُ الزاني المحصَنِ مبهماً لاختصاص العقوبةِ الأولى بالمحصنات، وعدمِ ظُهورِ إلحاقهِ بأحد الحكمين دلالةٌ لخفاء الشِرْكة في المناط { فَـآذُوهُمَا } أي بالتوبـيخ والتقريعِ، وقيل بالضرب بالنعال أيضاً والظاهرُ أن إجراءَ هذا الحكمِ أيضاً إنما يكون بعد الثبوتِ لكنْ ترك ذكره تعويلاً على ما ذكر آنفاً { فَإِن تَابَا } عما فعلا من الفاحشة بسبب ما لقيا من زواجرِ الأذيةِ وقوارعِ التوبـيخِ كما ينبىء عنه الفاء { وَأَصْلَحَا } أي أعمالهما { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا } بقطع الأذيةِ والتوبـيخِ فإن التوبةَ والصلاحَ مما يمنع استحقاقَ الذمِّ والعقابِ. وقد جُوِّز أن يكون الخطابُ للشهود الواقفين على هَناتهما، ويراد بالإيذاء ذمُّهما وتعنيفُهما وتهديدُهما بالرفع إلى الولاة، وبالإعراض عنهما تُرك التعرُّضُ لهما بالرفع إليهم. قيل كانت عقوبةُ الفريقين المذكورين في أوائل الإسلامِ على ما مر من التفصيل ثم نُسخ بالحدّ لما روي أن النبـيّ عليه الصلاة والسلام قال: " خُذوا عني خُذوا عني قد جعل الله لهن سبـيلاً الثيبُ تُرجم والبِكرُ تُجلد ". وقيل هذه الآية سابقة على الأولى نزولاً وكانت عقوبةُ الزناةِ الطلقاءِ الأذى ثم الحبسُ ثم الجلدُ ثم الرجمُ، وقد جُوِّز أن يكون الأمرُ بالحبس غيرَ منسوخٍ بأن يُتركَ ذكرُ الحدِّ لكونه معلوماً بالكتاب والسنة ويوصىٰ بإمساكهن في البـيوت بعد إقامةِ الحدِّ صيانةً لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروجِ من البـيوت والتعرُّضِ للرجال. ولا يخفى أنه مما لا يساعده النظمُ الكريمُ وقال أبو مسلم وعزاه إلى مجاهد: إن الأولى في السّحّاقات وهذه في اللوّاطين وما في سورة النورِ في الزناة والزواني متمسكاً بأن المذكورَ في الأولى صيغةُ الإناثِ خاصةً وفي الثانية صيغةُ الذكورِ ولا ضرورةَ للمصير إلى التغليب على أنه لا إمكانَ له في الأولى ويأباه الأمرُ باستشهاد الأربعةِ فإنه غيرُ معهودٍ في الشرع فيما عدا الزنا { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً } مبالغاً في قبول التوبةِ { رَّحِيماً } واسعَ الرَّحمةِ وهو تعليلٌ للأمر بالإعراض.

{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } استئنافٌ مَسوقٌ لبـيان أن قبولَ التوبةِ من الله تعالى ليس على إطلاقه كما ينبىء عنه وصفُه تعالى بكونه تواباً رحيماً بل هو مقيدٌ بما سينطِق به النصُّ الكريمُ، فقولُه تعالى التوبةُ مبتدأٌ وقوله تعالى: { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوء } خبرُه، وقولُه تعالى على الله متعلقٌ بما تعلق به الخبرُ من الاستقرار، فإن تقديمَ الجارِّ والمجرورِ على عامله المعنويِّ مما لا نزاعَ في جوازه وكذا الظرفُ، أو بمحذوف وقع حالاً من ضمير المبتدإ المستكنِّ فيما تعلق به الخبرُ على رأي من جوَّز تقديمَ الحالِ على عاملها المعنويِّ عند كونِها ظرفاً أو حرفَ جر كما سبق في تفسير قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3