الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

{ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ } حال من فاعل يراءون أو منصوبٌ على الذمِّ وذلك إشارةٌ إلى الإيمان والكفرِ المدلولِ عليهما بمعونة المقامِ أي متردّدين بـينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطانُ، وحقيقةُ المذبذبِ ما يُذَبّ ويُدفع عن كِلا الجانبـين مرةً بعد أخرى، وقرىء بكسر الذالِ أي مذَبْذِبـين قلوبَهم أو رأيَهم أو دينَهم أو بمعنى متذبذبـين كما جاء صَلْصَل بمعنى تَصَلْصَل وفي مصحف ابن مسعودٍ رضي الله عنه متذبذبـين وقرىء مدبدبـين بالدال غير المعجمة وكأن المعنى أخذ بهم تارة في دُبَّةٍ أي طريقة وأخرى في أخرى.

{ لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } أي لا منسوبـين إلى المؤمنين ولا منسوبـين إلى الكافرين أوْ لا صائرين إلى الأولين ولا إلى الآخَرين فمحلُّه النصبُ على أنه حالٌ من ضمير مذبذبـين، أو على أنه بدلٌ منه أو بـيانٌ وتفسيرٌ له { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } لعدم استعدادِه للهداية والتوفيق { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } موصِلاً إلى الحق والصواب فضلاً عن أن تهديَه إليه، والخطابُ لكل من يصلُح له كائناً من كان { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } نُهوا عن موالاة الكفرةِ صريحاً وإن كان في بـيان حالِ المنافقين زجرٌ عن ذلك مبالغةً في الزجر والتحذير { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي أتريدون بذلك أن تجعلوا لله عليكم حجةً بـيّنةً على أنكم منافقون فإن موالاتَهم أوضحُ أدلةِ النفاقِ أو سلطاناً يُسلِّط عليكم عقابَه.

وتوجيهُ الإنكارِ إلى الإرادة دون متعلَّقِها بأن يقال: أتجعلون الخ، للمبالغة في إنكارِه وتهويلِ أمرِه ببـيان أنه مما لا يصدُر عن العاقل إرادتُه فضلاً عن صدور نفسِه كما في قوله عز وجل:أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ } [البقرة، الآية 108].