الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } * { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }

{ ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء } في محل نصبٍ أو الرفعُ على الذم بمعنى أريد بهم الذين، أو هم الذين، وقيل: نُصب على أنه صفةٌ للمنافقين وقوله تعالى: { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حال من فاعل يتخذون أي يتخذون الكفرةَ أنصاراً متجاوزين ولايةَ المؤمنين وكانوا يوالونهم ويقول بعضُهم لبعض: لا يتم أمرُ محمدٍ عليه الصلاة والسلام فتولَّوا اليهود { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } إنكارٌ لرأيهم وإبطالٌ له وبـيانٌ لخيبة رجائِهم وقطعٌ لأطماعهم الفارغةِ، والجملةُ معترضةٌ مقررةٌ لما قبلها أي أيطلُبون بموالاة الكَفرةِ القوةَ والغلبة؟ قال الواحدي: أصلُ العزة الشدةُ ومنه قيل للأرض الشديدة الصُلبة: عَزازٌ، وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } تعليلٌ لما يفيده الاستفهامُ الإنكاريُّ من بطلان رأيِهم وخَيبةُ رجائهم فإن انحصارَ جميعِ أفرادِ العزةِ في جنابه عز وعلا بحيث لا ينالها إلا أولياؤُه الذين كُتب لهم العزةُ والغَلَبةُ، قال تعالى:وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون، الآية 8] يقضي ببطلان التعززِ بغيره سبحانه وتعالى واستحالةِ الانتفاعِ به، وقيل: هو جوابُ شرط محذوفٍ كأنه قيل: إن يبتغوا عندهم العزةَ فإن العزةَ لله، وجميعاً حال من المستكنّ في قوله تعالى: { لِلَّهِ } لاعتماده على المبتدأ { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ } خطابٌ للمنافقين بطريق الالتفاتِ مفيدٌ لتشديد التوبـيخِ الذي يستدعيه تعدادُ جناياتِهم وقرىء مبنياً للمفعول من التنزيل والإنزالِ ونزَلَ أيضاً مخففاً والجملةُ حال من ضمير يتخذون أيضاً مفيدةٌ لكمال قباحةِ حالِهم ونهاية استعصائِهم عليه سبحانه ببـيان أنهم فعلوا ما فعلوا من موالاة الكفرة مع تحقق ما يمنعهم من ذلك وهو ورودُ النهي الصريحِ عن مجالستهم المستلزمِ للنهي عن موالاتهم على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه إثرَ بـيانِ انتفاءِ ما يدعوهم إليه بالجملة المعترضة، كأنه قيل: تتخذونهم أولياءَ والحالُ أنه تعالى قد نزّل عليكم قبل هذا بمكة { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } أي القرآنِ الكريم { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } وذلك قوله تعالى:وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [الأنعام، الآية 68] الآية، وهذا يقتضي الانزجارَ عن مجالستهم في تلك الجالةِ القبـيحةِ فكيف بموالاتهم والاعتزازِ بهم؟.

وأنْ هي المخففةُ من أنّ وضميرُ الشأنِ الذي هو اسمُها محذوفٌ، والجملةُ الشرطية خبرُها، وقولُه تعالى: { يَكْفُرُ بِهَا } حالٌ من آيات الله، وقوله تعالى: { وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } عطفٌ عليه داخلٌ في حكم الحاليةِ، وإضافةُ الآياتِ إلى الاسم الجليلِ لتشريفها وإبانةِ خطرِها وتهويلِ أمر الكفرِ بها، أي نزل عليكم في الكتاب أنه إذا سمعتم آياتِ الله مكفوراً بها ومستهزَأً بها، وفيه دِلالةٌ على أن المنزلَ على النبـي عليه السلام وإن خوطب به خاصةً منزلٌ على الأمة وأن مدارَ الإعراضِ عنهم هو العلمُ بخوضهم في الآيات ولذلك عبّر عن ذلك تارةً بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المرادَ بالإعراض إظهارُ المخالفةِ بالقيام عن مجالسهم لا الإعراضُ بالقلب أو بالوجه فقط والضميرُ في معهم للكفرة المدلولِ عليهم بقوله تعالى: { يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا }.

السابقالتالي
2