الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } * { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }

{ وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } جملةٌ مبتدأةٌ سيقت لتقرير وجوبِ طاعة الله تعالى على أهل السموات والأرضِ ببـيانِ أن جميعَ ما فيهما من الموجودات له تعالى خلقاً ومُلكاً لا يخرُج عن مَلَكوته شيءٌ منها فيجازي كلاًّ بموجب أعمالِه خيراً أو شراً، وقيل: لبـيان أن اتخاذَه عز وجل لإبراهيمَ عليه السلام خليلاً ليس لاحتياجه سبحانه إلى ذلك في شأنٍ من شؤونه كما هو دأبُ الآدميـين فإن مدار خُلَّتِهم افتقارُ بعضِهم إلى بعض في مصالحهم، بل لمجرد تكرمتِه وتشريفِه عليه السلام، وقيل: لبـيان أن الخُلة لا تخرجه عن رتبة العبوديةِ، وقيل: لبـيان أن اصطفاءَه عليه السلام للخُلّة بمحض مشيئتِه تعالى أي له تعالى ما فيهما جميعاً يختار منهما ما يشاء لمن يشاء وقوله عز وجل: { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء مُّحِيطاً } تذيـيلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله على الوجوه المذكورةِ فإن إحاطتَه تعالى علماً وقُدرةً بجميع الأشياءِ التي من جملتها ما فيهما من المكلفين وأعمالِهم مما يقرِّرُ ذلك أكملَ تقرير.

{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنّسَاء } أي في حقهن على الإطلاق كما ينبىء عنه الأحكامُ الآتية لا في حق ميراثِهن خاصة فإنه صلى الله عليه وسلم قد سُئل عن أحوال كثيرةٍ مما يتعلق بهن، فما بُـيِّن حكمُه فيما سلف أحيل بـيانُه على ما ورد في ذلك من الكتاب، وما لم يُبـيَّن حُكمُه بعدُ بُـيِّن هٰهنا، وذلك قوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } بإسناد الإفتاءِ الذي هو بـيانُ المُبهم وتوضيحُ المُشكلِ إليه تعالى وإلى ما تُليَ من الكتاب فيما سبق باعتبارين على طريقة قولِك: أغناني زيدٌ وعطاؤُه بعطف { مَا } على المبتدأ أو ضميرِه في الخبر لمكان الفصلِ بالمفعول والجارِّ والمجرور، وإيثارُ صيغة المضارعِ للإيذان باستمرار التلاوةِ ودوامِها و { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } إما متعلقٌ بـيُتلى أو بمحذوف وقع حالاً من المستكنّ فيه أي يتلى كائناً فيه ويجوز أن يكون ما يتلى عليكم مبتدأً وفي الكتاب خبرُه على أن المرادَ به اللوحُ المحفوظُ، والجملةُ معترضةٌ مسوقةٌ لبـيان عِظَمِ شأن المتلوِّ عليهم وأن العدلَ في الحقوق المبنيّة فيه من عظائم الأمورِ التي يجب مراعاتُها والمحافظةُ عليها فيما يتلى حينئذ متناولٌ لما تُليَ وما سيتلى ويجوز أن يكون مجروراً على القسم المُنبىءِ عن تعظيم المقسَم به وتفخيمِه كأنه قيل: قل الله يُفتيكم فيهن وأُقسِم بما يتلى عليكم في الكتاب، فالمرادُ بقوله تعالى: { يُفْتِيكُمْ } بـيانُه السابقُ واللاحقُ ولا مساغَ لعطفه على المجرور من فيهن لاختلاله لفظاً ومعنى، وقولُه تعالى: { فِى يَتَـٰمَى ٱلنّسَاء } على الوجه الأولِ وهو الأظهرُ متعلقٌ بـيتلىٰ أي ما يتلى عليكم في شأنهن، وعلى الأخيرين بدلٌ من فيهن، وهذه الإضافةُ بمعنى من لأنها إضافةُ الشيءِ إلى جنسه وقرىء يَـيامىٰ بقلب همزةِ أيامىٰ ياءً.

السابقالتالي
2