الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } * { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

{ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى: { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } قرَن وعيدَ الكفرةِ بوعد المؤمنين زيادةً لمَسرَّة هؤلاءِ ومَساءةِ أولئك { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّا } أي وعَده وعداً وحقَّ ذلك حقاً، فالأولُ مؤكدٌ لنفسه لأن مضمونَ الجملةِ الاسميةِ وعدٌ، والثاني مؤكدٌ لغيره ويجوز أن ينتصِبَ الموصولُ بمضمر يفسِّره ما بعده وينتصب { وَعَدَ ٱللَّهُ } بقوله تعالى: { سَنُدْخِلُهُمْ } لأنه في معنى نعِدُهم إدخالَ جناتٍ الخ، وحقاً على أنه حال من المصدر { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } جملةٌ مؤكدةٌ بليغةٌ، والمقصودُ من الآية معارضَةُ مواعيدِ الشيطانِ الكاذبةِ لقرنائه بوعد الله الصادقِ لأوليائه والمبالغةُ في تأكيده ترغيباً للعباد في تحصيله، والقيلُ مصدرٌ كالقول والقال، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: القيلُ والقالُ اسمانِ لا مصدرانِ ونصبُه على التميـيز وقرىء بإشمام الصادِ، وكذا كلُّ صادٍ ساكنةٍ بعدها دالٌ.

{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيّكُمْ وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } أي ليس ما وعد الله تعالى من الثواب يحصُل بأمانيكم أيها المسلمون ولا بأمانيِّ أهلِ الكتابِ وإنما يحصُل بالإيمان والعملِ الصالحِ، ولعل نظمَ أمانيِّ أهلِ الكتابِ في سلك أمانيِّ المسلمين مع ظهور حالِها للإيذان بعدم إجداءِ أمانيِّ المسلمين أصلاً كما في قوله تعالى:وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } [النساء، الآية 18] كما سلف، وعن الحسن ليس الإيمانُ بالتمنِّي ولكنْ ما وقر في القلب وصدّقه العملُ، إن قوماً ألهتْهم أمانيُّ المغفرةِ حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنةَ لهم وقالوا: نُحسِنُ الظنَّ بالله وكذَبوا لو أحسنوا الظنَّ به لأحسنوا العملَ. وقيل: (إن المسلمين وأهلَ الكتاب افتخروا فقال أهلُ الكتاب: نبـيُّنا قبل نبـيِّكم وكتابُنا قبل كتابِكم فنحن أولى بالله تعالى منكم، فقال المسلمون: نحنُ أولى منكم نبـيُّنا خاتمُ النبـيـين وكتابُنا يقضي على الكتب المتقدمةِ فنزلت). وقيل: (الخطابُ للمشركين) ويؤيده تقدّمُ ذكرِهم أي ليس الأمرُ بأمانيِّ المشركين وهو قولُهم: لا جَنةَ ولا نارَ، وقولُهم: إن كان الأمرُ كما يزعُم هؤلاء لنكونَنّ خيراً منهم وأحسنَ حالاً، وقولُهم: لأوتين مالاً وولداً، ولا أمانيِّ أهلِ الكتاب، وهو قولُهم:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [البقرة، الآية 111] وقولُهملَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [البقرة، الآية 80] ثم قرر ذلك بقوله تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } عاجلاً أو آجلاً لما روي أَنَّهُ " لما نزلت قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فمن ينجو مع هذا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما تحزنُ أو تمرَضُ أو يصيبُك البلاء؟ " ، قال: بلى يا رسول الله، قال: " هو ذاك " { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي مجاوزاً لموالاة الله ونُصرتِه { وَلِيّاً } يواليه { وَلاَ نَصِيراً } ينصُره في دفع العذاب عنه.