الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } * { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً } أي على وجه الظلمِ أو ظالمين، استئنافٌ جيء به لتقرير مضمونِ ما فُصِّل من الأوامر والنواهي { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ } أي ملءَ بطونِهم { نَارًا } أي ما يُجرُّ إلى النار ويؤدِّي إليها، وعن أبـي برزة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " " يبعث الله تعالى قوماً من قبورهم تتأجّج أفواهُهم ناراً " فقيل: من هم؟ فقال عليه السلام: " ألم تر أن الله يقول: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } " { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } أي سيدخُلون ناراً هائلةً مبْهمةَ الوصفِ وقرىء بضم الياء مخففاً ومشدداً من الإصلاء والتصلية، يقال: صِليَ النار قاسي حرَّها وصلَيتُه وشويتُه وأصليتُه وصلّيتُه ألقيته فيها. والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعَرتُ النارَ إذا ألهبتُها. روي أن آكلَ مالِ اليتيم يبعث يوم القيامةِ والدخانُ يخرج من قبره ومِنْ فيه وأنفِه وأُذنيه وعينيه فيعرف الناسُ أنه كان يأكلُ مالَ اليتيمِ في الدنيا. وروي أنه لما نزلت هذه الآيةُ ثقُل ذلك على الناس فاحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكلية فصعب الأمرُ على اليتامى فنزل قوله تعالى:وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } [البقرة، الآية 220] الآية.

{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } شروعٌ في تفصيل أحكامِ المواريثِ المُجملةِ في قوله تعالى:لّلرّجَالِ نَصِيبٌ } [النساء، الآية 7، 32] الخ، وأقسامُ الورثةِ ثلاثةٌ: قسمٌ لا يسقُط بحال وهو الآباءُ والأولادُ والأزواج فهؤلاء قسمانِ والثالثُ الكلالة. أي يأمركم ويعهَدُ إليكم { فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } أولاد كلِّ واحدٍ منكم أي في شأن ميراثِهم. بُدىءَ بهم لأنهم أقربُ الورثةِ إلى الميتِ وأكثرُهم بقاءً بعد المورِّث { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } جملةٌ مستأنفةٌ جيء بها لتبـيـين الوصيةِ وتفسيرِها، وقيل: محلُّها النصبُ بـيوصيكم على أن المعنى يفرِض عليكم ويشرَع لكم هذا الحُكمَ، وهذا قريبٌ مما رآه الفراءُ فإنه يجري ما كان بمعنى القولِ من الأفعال مَجراه في حكاية الجملةِ بعدَه، ونظيرُه قولُه تعالى:وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ } [المائدة، الآية 9] الآية، وقولُه تعالى: { لِلذّكْرِ } لا بد له من ضمير عائدٍ إلى الأولاد محذوفٍ ثقةً بظهوره كما في قولهم: السمنُ مَنَوانِ بدرهم. أي للذكر منهم، وقيل: الألفُ واللامُ قائمٌ مقامَه، والأصلُ لذكرهم، ومِثلُ صفةٌ لموصوف محذوفٍ أي للذكر منهم حظُّ الأنثيـين، والبَداءةُ ببـيان حكمِ الذكرِ لإظهار مَزيّتِه على الأنثى، كما أنها المناطُ في تضعيف حظِّه، وإيثارُ اسمَي الذكرِ والأنثى على ما ذُكر أولاً من الرجال والنساءِ للتنصيص على استواء الكبارِ والصغارِ من الفريقين في الاستحقاق من غير دخلٍ للبلوغ والكِبَرِ في ذلك أصلاً كما هو زعمُ أهلِ الجاهليةِ حيث كانوا لا يورِّثون الأطفالَ كالنساء. { فَإِن كُنَّ } أي الأولادُ والتأنيثُ باعتبار الخبرِ وهو قوله تعالى: { نِسَاء } أي خُلَّصاً ليس معهن ذكرٌ { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } خبرٌ ثانٍ أو صفةٌ لنساءً أي نساءً زائداتٍ على اثنتين { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } أي المُتوفىٰ المدلولُ عليه بقرينة المقامِ { وَإِن كَانَتْ } أي المولودةُ { وٰحِدَةٌ } أي امرأةً واحدةً ليس معها أخٌ ولا أختٌ.

السابقالتالي
2 3 4