الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } * { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } * { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ قِيلَ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أي مقدَّراً خلودُكم فيها. وإبهامُ القائلِ لتهويلِ المَقُولِ { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ } اللامُ للجنسِ والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ ثقةً بذكرِه آنِفا أي فبئسَ مثواهُم جهنَّمُ. ولا يقدُح ما فيه من الإشعارِ بأنَّ كونَ مثواهُم جهنَّمَ لتكبُّرِهم عن الحقِّ في أنَّ دخولَهم النَّارَ لسبق كلمةِ العذابِ عليهم فإنَّها إنَّما حُقَّتْ عليهم بناءَّ على تكبُّرِهم وكُفرِهم وقد مرَّ تحقيقُه في سُورة الم السَّجدةِ.

{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ } مساقَ إعزازٍ وتشريفٍ للإسراعِ بهم إلى دار الكرامةِ. وقيل: سِيق مراكبُهم إذْ لا يُذهبُ بهم إلا راكبـينَ { زُمَراً } متفاوتينَ حسب تفاوتٍ مراتبِهم في الفضلِ وعلوِّ الطَّبقةِ. { حَتَّىٰ إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا } وقُرىء بالتَّشديدِ. وجوابُ إذا محذوفٌ للإيذانِ بأن لهم حينئذٍ من فُنون الكراماتِ ما لا يَحدِقُ به نطاقُ العباراتِ كأنَّه قيل حتَّى إذَا جَاؤُها وقد فُتحِتْ أبوابُها { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ } من جميعِ المكارِه والآلام { طِبْتُمْ } طهرتم من دَنَس المعاصي أو طبتُم نَفْساً بما أُتيح لكُم من النَّعيمِ. { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } كان ما كان مَّما يقصر عنه البـيانُ { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } بالبعث والثَّوابِ { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } يريدونَ المكانَ الذي استقرُّوا فيه على الاستعارةِ وإيراثُها تمليكُها مخلَّفة عليهم من أعمالِهم أو تمكينُهم من التَّصرُّفِ فيها تمكينَ الوارثِ فيما يَرثُه { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء } أي يتبوأُ كلُّ واحدٍ مَّنا في أي مكانٍ أرادُه من جنَّتهِ الواسعة على أنَّ فيها مقاماتٍ معنويةً لا يتمانعُ واردُها { فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } الجنَّةُ { وَتَرَى ٱلْمَلَـٰئِكَةَ حَافّينَ } مْحدقين { مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } أي حوله ومِن مزيدةٌ أو لابتداءِ الحفوفِ { يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } أي ينزهونَه تعالى عَّما لا يليقُ به ملتبسينَ بحمدِه. والجملة حالٌ ثانيةٌ أو مقيَّدةٌ للأُولى والمعنى ذاكرينَ له تعالى بوصفِ جلالِه وإكرامِه تلذُّذاً به، وفيه إشعارٌ بأنَّ أقصى درجاتِ العلِّيـينَ وأعلى لذائذِهم هو الاستعراقُ في شؤونه عزَّ وجلَّ { وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقّ } أي بـين الخلقِ بإدخال بعضِهم النَّارَ وبعضهم الجَّنةَ أو بـين الملائكةِ بإقامتِهم في منازلِهم على حسبِ تفاضُلِهم { وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي على ما قَضَي بـيننا بالحقِّ وأنزل كلاَّ منَّا منزلتَه التي هي حقُّه. والقائلون هم المؤمنون ممَّن قُضىَ بـينهم أو الملائكةُ. وطيُّ ذكرِهم لتعيـينهم وتعظيمِهم.

عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " مَن قرأَ سُورة الزُّمَر لم يقطعِ الله تعالى رجاءَهُ يومَ القيامةِ وأعطاهُ ثوابَ الخائفينَ " وعن عائشةَ رضي الله عنها أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يقرأُ كلَّ ليلةٍ بني إسرائيلَ والزُّمَرَ.