الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ قُلْ يٰعِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي أفرطُوا في الجنايةِ عليها بالإسرافِ في المعَاصي. وإضافةُ العبادِ تخصصه بالمؤمنين على ما عرف القرآن الكريم.

{ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } أي لا تيأسُوا من مغفرته أولاً ولا تفضُّلِه ثانياً { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } عفواً لمن يشاءُ ولو بعد حينٍ بتعذيب في الجملة بغيره حسبما يشاء. وتقيـيده بالتَّوبةِ خلاف الظَّاهرِ كيف لا وقوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [سورة النساء: الآية 116] ظاهرٌ في الإطلاقِ فيما عدا الشِّركَ. وممَّا يدلُّ عليه التَّعليلُ بقوله تعالى { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } على المبالغة وإفادةِ الحصرِ والوعد بالرَّحمةِ بعد المغفرة وتقديمُ ما يستدعي عمومَ المغفرة مَّما في عبادي من الدِّلالةِ على الذِّلَّةِ والاختصاص المقتضيـينِ للتَّرحم، وتخصيصُ ضررِ الإسرافِ بأنفسهم والنَّهيُ عن القُنوطِ مطلقاً عن الرَّحمةِ فضلاً عن المغفرة وإطلاقِها وتعليلهُ بأنَّ الله يغفرُ الذُّنوبَ ووضعُ الاسمِ الجليلِ موضعَ الضَّميرِ لدلالتهِ على أنَّه المستغنِي والمنعمُ على الإطلاقِ.

والتأكيد بالجميعِ وما رُوي من أسبابِ النُّزولِ الدَّالَّةِ على ورود الآيةِ فيمن تابَ لا يقتضِي اختصاصَ الحكم بهم ووجوبُ حملِ المطلقِ على المقيِّد في كلامِ واحدٍ مثل أكرمِ الكاملينَ غيرُ مسلَّمٍ فكيف فيما هو بمنزلةِ كلامٍ واحدٍ ولا يخلُّ بذلك الأمرُ بالتَّوبةِ، والإخلاصِ في قوله تعالى: { وَأَنِـيبُواْ إِلَىٰ رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } إذْا ليسَ المدَّعَى أنَّ الآيةَ تدلُّ على حصولِ المغفرةِ لكل أحدٍ من غير توبةٍ وسبقِ تعذيبٍ لتُغنيَ عن الأمرِ بهما وتُنافي الوعيدَ بالعذابِ { وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ } أي القرآنَ أو المأمورَ به دون المنهيِّ عنه أو العزائمَ دون الرُّخصِ أو النَّاسخَ دون المنسوخِ ولعلَّه ما هو أنجى وأسلم كالإنابةِ والمواظبةِ على الطَّاعةِ { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } بمجيئِه لتتداركوا وتتأهَّبوا له { أَن تَقُولَ نَفْسٌ } أي كراهةَ أنْ تقولَ. والتَّنكيرُ للَّتكثيرِ كما في قولِه تعالى:عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [سورة التكوير: الآية 14] فإنَّه مسلكٌ ربَّما يسلك عند إرادة التكثيرِ والتَّعميمِ، وقد مرَّ تحقيقُه في مطلع سورة الحجرِ { يٰحَسْرَتَىٰ } بالألفِ بدلاً من ياءِ الإضافةِ وقُرىء يا حسرتَاه بهاء السَّكتِ وقفاً. وقُرىء يا حسرتَاي بالجمعِ بـين العوضينِ. وقُرىء با حسرتِي على الأصلِ أي احضُرِي فهذا أوانُ حُضورِك. { عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ } أي على تفريطي وتقصيرِي { فِى جَنبِ ٱللَّهِ } أي حانبِه وفي حقَّه وطاعتِه وعليه قولُ مَن قال
أَمَا تتَّقينَ الله في جنبِ وامق   لَه كَبدٌ حَرَّى وَعَينٌ ترقرقُ
وهو كنايةٌ فيها مبالغة وقيل: في ذاتِ الله على تقديرِ مضافٍ كالطَّاعة وقيل: في قُربِه من قوله تعالى:

السابقالتالي
2