الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي التجىءْ إليه تعالى بالدُّعاءِ لما تحيَّرتَ في أمر الدَّعوةِ وضجرت من شدَّةِ شكيمتهم في المُكابرة والعناد فإنَّه القادرُ على الأشياء بجُملتها والعالمُ بالأحوال بُرمَّتِها. { أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ * فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي حُكماً يُسلِّمه كلُّ مكابرٍ معاند، ويخضعُ له كلُّ عاتٍ مارد وهو العذابُ الدنيويُّ أو الأخرويُّ. وقولُه تعالى { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } الخ كلامٌ مستأنف مسوقٌ لبـيان آثارِ الحُكمِ الذي استدعاه النبـيُّ صلى الله عليه وسلم وغايةِ شدَّتِه وفظاعتِه أي لو أنَّ لهم جميعَ ما في الدُّنيا من الأموال والذَّخائرِ. { وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي لجعلُوا كلَّ ذلك فديةً لأنفسهم من العذاب الشَّديدِ وهيهاتَ ولاتَ حينَ مناصٍ. وهذا كما ترى وعيدٌ شديدٌ وإقناطٌ كليٌّ لهم من الخلاصِ. { وَبَدَا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } أي ظهرَ لهم من فُنون العقوباتِ ما لم يكن في حسابهم. وهذه غاية من الوعيد لا غاية وراءها ونظيره في الوعد قولُه تعالى:فَلاَ تَعْلَمُ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [سورة السجدة: الآية 17] { وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ } سيئات أعمالِهم أو كسبِهم حين تُعرض عليهم صحائفهم { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي أحاطَ بهم جزاؤُه { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا } إخبارٌ عن الجنسِ بما يفعله غالبُ أفرادِه. والفاءُ لترتيب ما بعدها من المناقضةِ. والتَّعكيسُ على ما مرَّ من حالتيهم القبـيحتينِ وما بـينهما اعتراضٌ مؤكِّدٌ للإنكار عليهم أي أنَّهم يشمئزُّون عن ذكرِ الله تعالى وحدَهْ ويستبشرون بذكرِ الآلهةِ فإذا مسَّهم ضُرٌّ دَعَوا مَن اشمأزُّوا عن ذكره دون مَن استبشرُوا بذكرِه { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مّنَّا } أعطيناهُ إيَّاها تفضُّلاً، فإنَّ التَّخويل مختصٌ به لا يُطلق على ما أُعطي جزاءً { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } أي على علم منِّي بوجوهِ كسبِه أو بأنِّي سأعطاه لَما لِي من الاستحقاقِ أو على علمٍ من الله تعالى بـي وباستحقاقي. والهاءُ لما، أنْ جُعلتْ موصولةً، وإلاَّ فلِنعمةً والتَّذكيرُ لما أنَّ المرادَ شيء من النعمةِ { بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ } أي محنةٌ وابتلاءٌ له أيشكرُ أم يكفرُ وهو ردٌّ لما قاله. وتغيـيرُ السَّبكِ للمبالغة فيهِ والإيذانِ بأنَّ ذلك ليس من بابِ الإيتاءِ المُنبىء عن الكرامةِ وإنَّما هو أمرٌ مباين بالكُلِّيةِ. وتأنيثُ الضَّميرِ باعتبار لفظ النِّعمةِ أو باعتبار الخبرِ وقُرىء بالتَّذكيرِ.

{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنَّ الأمرَ كذلك وفيه دلالةٌ على أنَّ المراد بالإنسانِ هو الجنسُ.