الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } * { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } لوضوحِ الدَّليلِ وسنوح السَّبـيلِ { قُلْ } تبكيتاً لهُم { أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ } أي بعد ما تحقَّقتُم أنَّ خالق العالم العلويَّ والسُّفليِّ هو الله عزَّ وجلَّ فأخبروني أن آلهتَكم إنْ أرادني الله بضرَ هل يكشفنَ عنِّي ذلك الضُّرِّ { أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ } أي أو أرادني بنفعٍ { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } فيمنعنها عنِّي. وقُرىء كاشفاتٌ ضرَّه وممسكاتٌ رحمتَه بالتَّنوينِ فيهما ونصبِ ضُرِّه ورحمته. وتعليق إرادة الضُّرَّ والرَّحمةِ بنفسه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للردِّ في نحورِهم حيث كانُوا خوّفوه معرَّةَ الأوثانِ ولما فيه من الإيذانِ بإمحاضٍ النَّصيحةِ. { قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ } أي في جميعِ أموري من إصابةِ الخير ودفعِ الشَّرِّ. رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لمَّا سألهم سكتُوا فنزلَ ذلك { عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } لا على غيرِه أصلاً لعلمهم بأنَّ كلَّ ما سواه تحت ملكوتِه تعالى: { قُلْ يٰقَوْمٌ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } على حالتِكم التي أنتمُ عليها من العداوة التي تمكَّنتُم فيها فإنَّ المكانة تُستعار من العَين للمعنى كما تُستعار هُنا وحَيثُ للزَّمانِ مع كونِهما للمكانِ. وقُرىء على مكاناتِكم { إِنّى عَـٰمِلٌ } أي على مكانتِي فحذف اللاختصارِ والمبالغةِ في الوعيدِ والاشعارِ بأنَّ حالَه لا تزال تزداد قوَّةً بنصر الله عزَّ وجلَّ وتأيـيدِه ولذلك توعَّدهم بكونه منصُوراً عليهم في الدَّارينِ بقوله تعالى { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } فإنَّ خِزي أعدائِه دليلُ غلبتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وقد عذَّبهم الله تعالى وأخزاهم يومَ بدرٍ. { وَيَحِلُّ عَلَيْهِمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائمٌ هو عذابُ النَّارِ.

{ إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ لِلنَّـاسِ } لأجلِهم فإنَّه مناطُ مصالحِهم في المعاشِ والمعادِ { بِٱلْحَقّ } حال من فاعل أنزلَنا أو من مفعولِه { فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ } بأنْ عملَ بما فيه { فَلِنَفْسِهِ } أي إنَّما نفعَ به نَفسه { وَمَن ضَلَّ } بأنْ لم يعمل بموجبِه { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } لما أنَّ وبالَ ضلاله مقصورٌ عليها.

{ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } لتُجبرَهم على الهُدى، وما وضيفتُك إلاَّ البلاغُ وقد بلَّغت أيَّ بلاغٍ { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا } أي يقبضِها من الأبدانِ بأنْ يقطع تعلُّقها عنها وتصرُّفها فيها إمَّا ظاهراً وباطناً كما عند الموتِ أو ظاهراً فقط كما عند النَّومِ { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } ولا يردُّها إلى البدنِ. وقُرىء قُضِيَ على البناءِ للمفعولِ ورفعِ الموتَ. { وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } أي النَّائمةَ إلى بدنها عند التَّيقظِ { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو الوقتُ المضربُ لموتِه وهو غاية لجنس الإرسال الواقعِ بعد الإمساكِ لا لفردٍ منه فإنَّ ذلك مَّما لا امتدادَ فيه ولا كميَّة. وما رُوي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ في ابنِ آدمَ نَفساً ورُوحاً بـينهما مثلُ مثل الشَّمسِ فالنفسُ هي التي بها العقلُ والتَّميـيزُ والرُّوحُ هي التي بها النَّفَسُ والتَّحركُ فتتوفيان عند الموتِ وتُتوفى النَّفسُ وحدَها عند النَّوم قريبٌ مَّما ذُكر. { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيما ذُكر من التَّوفِّي على الوجهينِ والإمساكِ في أحدِهما والإرسالِ في الآخرِ { لآيَاتٍ } عجيبةً دالَّةً على كمال قُدرته تعالى وحكمته وشمول رحمتِه { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في كيفَّيةِ تعلُّقِها بالإبدان وتوفِّيها عنها تارة بالكُلَّيةِ كما عند الموت وإمساكها باقيةً لا تفنى بفنائِها وما يعتريها من السَّعادةِ والشَّقاوةِ وأخرى عن ظواهرها فقط كما عند النَّومِ وإرسالها حيناً بعد حينٍ إلى انقضاءِ آجالِها.