الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } فإنَّه إلى آخرهِ مسوقٌ لبـيانِ حال كلَ من طرفَيْ الاختصامِ الجاري في شأن الكفرِ والإيمانِ لا غيرُ. أي أظلمُ من كلِّ ظالمٍ مَنِ افترى على الله سبحانه وتعالى بأنْ أضافَ إليه الشَّريكَ والولد { وَكَذَّبَ بِٱلصّدْقِ } أي بالأمرِ الذي هو عينُ الحقِّ ونفسُ الصِّدقِ وهو ما جاء به النبـيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم. { إِذْ جَاءهُ } أي في أوَّلِ مجيئهِ من غير تدبُّرٍ فيه ولا تأمُّلٍ { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْكَـٰفِرِينَ } أي لهؤلاءِ الذين افترَوا على الله سبحانه وسارعُوا إلى التَّكذيبِ بالصَّدقِ من أوَّلِ الأمرِ. والجمعُ باعتبار معنى مَن كما أنَّ الإفراد في الضَّمائرِ السَّابقةِ باعتبار لفظها. أو لجنسِ الكَفَرةِ وهم داخلون في الحُكمِ أوَّليَّاً.

{ وَٱلَّذِي جَاء بِٱلصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } الموصولُ عبارةٌ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومَن تبعه كما أنَّ المرادَ في قوله تعالى:وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [سورة المؤمنون: الآية 49] هو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وقومه، وقيل عن الجنس المُتناول للرُّسلِ والمؤمنين بهم. ويؤيِّدُه قراءةُ ابن مسعودِ رضي الله عنه: «والذين جَاءُوا بالصَّدقِ وصدَّقُوا به» وقيل: هو صفة لموصوفٍ محذوف هو الفَوجُ والفَرِيقُ { أُوْلَـٰئِكَ } الموصُوفون لما ذُكر من المجيء بالصَّدقِ والتصديق به { هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } المنعوتُون بالتَّقوى التي هي أجلُّ الرَّغائبِ. وقُرىء وصدَق به بالتَّخفيفِ، أي صدَقَ بهِ النّاسَ فأدَّاه إليهم كما نزلَ من غيرِ تغيـير، وقيل: وصارَ صادقاً به أي بسببهِ، لأنَّ ما جاء به من القرآنُ معجزةٌ دالَّةٌ على صدقه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقُرىء صُدِّق به على البناء للمفعول.

{ لَهُمْ مَّا يَشآءُونَ عِندَ رَبّهِمْ } بـيانٌ لما لهمُ في الآخرةِ من حسنِ المآبِ بعد بـيانِ ما لُهم في الدنيا من محاسنِ الأعمالِ، أي لهم كلُّ ما يشاؤونه من جلبِ المنافعِ ودفعِ المضارِّ في الآخرةِ لا في الجنَّةِ فقط، لِما أنَّ بعضَ ما يشاؤونه من تكفير السَّيئاتِ والأمن من الفَزَع الأكبرِ وسائرِ أهوال القيامةِ إنَّما يقع قبل دخولِ الجنَّةِ { ذٰلِكَ } الذي ذُكر من حصول كلِّ ما يشاؤونه { جَزَاء ٱلْمُحْسِنِينَ } أي الذينَ أحسنُوا أعمالَهم وقد مرَّ تفسيرُ الإحسان غيرَ مرَّةٍ. وقوله تعالى: { لِيُكَـفّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } الخ متعلِّقٌ بقوله تعالى لهم ما يشاؤون لكن لا باعتبارِ منطوقِه ضرورةَ أنَّ التَّفكيرَ المذكور لا يُتصوَّرُ كونُه غايةً لثبُوتِ ما يشاؤون لهم في الآخرةِ، كيف لا وهو بعضُ ما سيثبُتُ لهم فيها بل باعتبارِ فحواه فإنَّه حيثُ لم يكن إخباراً بما ثبت لهم فيما مَضَى بل بما سيثبت لهم فيا سيأتِي كان في معنى الوعدِ به كما مرَّ في قوله تعالى وَعْد الله فإنه مصدر مؤكَّدٌ لما قبله من قولِه تعالى:

السابقالتالي
2