الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ }

(سورة الزمر مكية إلا قوله { قل يا عبادي } الآية وآياتها خمس وسبعون آية)

{ بِسْمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيم } { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ هو اسم إشارة أُشير به إلى السُّورةِ تنزيلاً لها منزلةَ الحاضر المُشارِ إليه لكونها على شرف الذِّكرِ والحضورِ كما مرَّ مراراً. وقد قيل هو ضميرٌ عائد إلى الذِّكرِ في قوله تعالى:إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِينَ } [سورة الأنعام: الآية 90] وقوله تعالى: { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } صلة للتَّنزيلِ أو خبرٌ ثانٍ أو حالٌ من التَّنزيلِ عاملُها معنى الإشارة أو من الكتابِ الذي هو مفعولٌ معنى، عاملُها المضاف، وقيل هو خبرٌ لتنزيلُ الكتابِ، والوجهُ الأَوَّلُ أو في بمقتضى المقامِ الذي هو بـيانُ أنَّ السُّورةَ أو القُرآنَ تنزيلُ الكتابِ من الله تعالى لا بـيانُ أنَّ تنزيلَ الكتابِ منه تعالى لا من غيرِه كما يفيده الوجهُ الأخيرُ. وقُرىء تنزيلَ الكتابِ بالنَّصبِ على إضمار فعلٍ نحو اقرأْ أو الزمْ. والتَّعرُّضُ لوصفَيْ العزَّةِ والحكمة للإيذانِ بظهور أثريهما في الكتابِ بجريانِ أحكامِه ونفاذ أوامره ونواهيه من غير مُدافعٍ ولا ممانع، وبابتناءِ جميع ما فيه على أساس الحِكَمِ الباهرةِ. وقولُه تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ } شروعٌ في بـيان شأن المنزَّلِ إليه وما يجبُ عليه إثرَ بـيانِ شأن المنَّزلِ وكونِه من عند الله تعالى، والمرادُ بالكتاب هو القُرآنُ وإظهاره على تقدير كونِه هو المرادَ بالأَوَّلِ أيضاً لتعظيمه ومزيد الاعتناء بشأنِه. والباء إمَّا متعلِّقةٌ بالإنزال أي بسبب الحقِّ وإثباته وإظهارِه أو بداعية الحقِّ واقتضائه للإنزالِ وإمَّا بمحذوفٍ هو حالٌ من نون العظمةِ أو من الكتاب أو أنزلناهُ إليك محقِّين في ذلك أو أنزلناه مُلتبِساً بالحقِّ والصواب أي كلُّ ما فيه حقٌّ لا ريبَ فيه موجبٌ للعمل به حَتْماً. والفاءُ في قوله تعالى: { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينِ } لترتيب الأمر بالعبادة على إنزالِ الكتاب إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالحقِّ أي فاعبْدُه تعالى ممُحِّضاً له الدِّينَ من شوائب الشِّركِ والرِّياءِ حسبما بُـيِّن في تضاعيف ما أُنزل إليك. وقُرىء برفع الدِّينِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه الظَّرفُ المقدَّمُ عليه لتأكيد الاختصاصِ المُستفاد من اللاَّمِ. والجملةُ استئنافٌ وقع تعليلاً للأمر بإخلاصِ العبادةِ. وقوله تعالى: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ } استئنافٌ مقرِّرٌ لما قبله من الأمرِ بإخلاص الدِّينِ له تعالى، ووجوبِ الامتثالِ به. وعلى القراءةِ الأخيرةِ مؤكِّدٌ لاختصاصِ الدِّينِ به تعالى أي أَلاَ هو الذي يجبُ أنْ يُخصَّ بإخلاصِ الطَّاعةِ له لأنَّه المُتفرِّدُ بصفاتِ الأُلوهيَّةِ التي من جُملتها الاطِّلاعُ على السَّرائرِ والضَّمائرِ. وقولُه تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } تحقيقٌ لحقِّيةِ ما ذُكر من إخلاص الدِّينِ الذي هو عبارةٌ عن التَّوحيدِ ببـيان بُطلان الشِّركِ الذي هو عبارةٌ عن ترك إخلاصِه، والموصولُ عبارةٌ عن المُشركين ومحلُّه الرَّفعُ على الابتداءِ خبرُه ما سيأتي من الجُملةِ المُصدَّرةِ بأنْ.

السابقالتالي
2