الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } * { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } * { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ }

{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } أي صوَّرته بالصُّورةِ الإنسانيَّةِ والخِلقةِ البشريَّةِ أو سوَّيتُ أجزاءَ بدنِه بتعديل طبائعهِ { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } النَّفخُ إجراءُ الرِّيح إلى تجويفِ جسمٍ صالحٍ لإمساكِها والامتلاءِ بها. وليس ثَّمةَ نفخٌ ولا منفوخٌ وإنَّما هو تمثيلٌ لإفاضة ما به الحياةُ بالفعل على المادَّةِ القابلة لها أي فإذا كمَّلتُ استعدادَه وأفضت عليه ما يحيـى به من الرُّوحِ التي هي أمري { فَقَعُواْ لَهُ } أمرٌ من وقعَ وفيه دليلٌ على أنَّ المأمورَ به ليس مجرَّدَ الانحناءِ كما قيل أي اسقُطوا له { سَـٰجِدِينَ } تحَّيةً له وتكريماً.

{ فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } أي فخلقه فسوَّاه فنفخ فيه الرُّوحَ فسجد له الملائكةُ { كُلُّهُمْ } بحيث لم يبقَ منهم أحدٌ إلاَّ سجدَ { أَجْمَعُونَ } أي بطريقِ المعيةِ بحيثُ لم يتأخَّر في ذلك أحدٌ منهم عن أحدٍ، ولا اختصاص لإفادة هذا المعنى بالحالية بل يفيدُه التَّأكيدُ أيضاً وقيل أُكِّد بتأكيدينِ مبالغةً في التَّعميمِ. هذا وأمَّا أنَّ سجودَهم هذا هل ترتَّبَ على ما حُكي من الأمر التَّعليقيِّ كما تقتضيهِ هذه الآيةُ الكريمةُ والتي في سُورة الحجرِ فإنَّ ظاهرَهُما يستدعِي ترتُّبه عليه من غيرِ أنْ يتوسَّط بـينهما شيءٌ غير ما يفصح عنه الفاءُ الفصيحةٌ من الخلق والتَّسويةِ ونفخ الرُّوحِ أو على الأمرِ التَّنجيزيِّ كما يقتضيه ما في سُورة البقرةِ وما في سُورةِ الأعرافِ وما في سُورة بني إسرائيلَ وما في سُورةِ الكهفِ وما في سُورة طه من الآياتِ الكريمةِ فقد مرَّ تحقيقُه بتوفيقِ الله عزَّ وجلَّ في سُورةِ البقرةِ وسُورة الأعرافِ { إِلاَّ إِبْلِيسَ } استثناءٌ متَّصل لما أنه كانَ جنِّياً مفرَداً مغموراً بألوفٍ من الملائكةِ موصُوفاً بصفاتِهم فغلبُوا عليه ثمَّ استُثنَى استثناءَ واحدٍ منُهم أو لأنَّ من الملائكةِ جنساً يتوالدُون وهو منُهم أو منقطعٌ. وقولُه تعالى: { ٱسْتَكْبَرَ } على الأوَّلِ استئنافٌ مبـينٌ لكيفيَّةِ تركِ السّجودِ المفهومِ من الاستثناءِ فإنَّ تركَه يحتملُ أن يكونَ للتَّامُّل والتروِّي وبه بتحقَّقُ أنَّه للإباءِ والاستكبارِ. وعلى الثَّاني يجوزُ اتِّصالُه بما قبله أي لكنْ إبليسُ استكبرَ { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي وصارَ منهم بمخالفتِه للأمرِ واستكبارِه عن الطَّاعةِ أو كان منهم في علمِ الله تعالى عزَّ وجلَّ { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } أَي خلقتُه بالذَّاتِ من غير توسُّطِ أبٍ وأمَ والتَّثنيةُ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بخلقِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ المستدعِي لإجلالِه وإعظامِه قَصْداً إلى تأكيدِ الإنكارِ وتشديدِ التَّوبـيخِ. { أَسْتَكْبَرْتَ } بهمزة الإنكارِ وطرحِ همزةِ الوصلِ أي أتكبَّرتَ من غيرِ استحقاقٍ { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَـٰلِينَ } المستحقِّين للتَّفوقِ وقيل: أستكبرتَ الآنَ أم لم تزلْ منذ كنتَ من المستكبرينَ. وقُرىء بحذفِ همزةِ الاستفهامِ ثقةً بدلالةِ أمْ عليها.