الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } * { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأَرْضِ } أم منقطعةً، وما فيها من بلْ للإضرابِ الانتقاليِّ عن تقرير أمر البعثِ والحسابِ والجزاء بما مرَّ من نفيِ خلقِ العالم خالياً عن الحكمِ والمصالحِ إلى تقريرِه وتحقيقِه بما في الهمزةِ من إنكار التَّسويةِ بـين الفريقينِ ونفيها على أبلغِ وجهٍ وآكدِه أي بل أنجعلُ المؤمنينَ المُصلحينَ كالكَفَرةِ المُفسدين في أقطارِ الأرضِ كما يقتضيه عدمُ البعثِ وما يترتَّبُ عليه من الجزاءِ لاستواء الفريقين في التَّمتع بالحياةِ الدُّنيا بل الكَفَرةُ أوفرُ حظَّاً منها من المؤمنينَ لكن ذلك الجعلُ محالٌ فتعيَّن البعثُ والجزاءُ حتماً لرفع الأوَّلينَ إلى أعلى عِلِّيـيِّنَ وردِّ الآخرينَ إلى أسفلِ سافلينَ. وقوله تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } إضرابٌ وانتقالٌ عن إثبات ما ذُكر بلزوم المحالِ الذي هو التَّسويةُ بـين الفريقينِ المذكُورينِ على الإطلاقِ إلى إثباتِه بلزومِ ما هو أظهرُ منه استحالةً وهو التَّسويةُ بـين أتقياءِ المؤمنينَ وأشقياءِ الكَفَرةِ وحملُ الفُجَّار على فَجَرةِ المُؤمنين ممَّا لا يساعدُه المقامُ ويجوزُ أنْ يرادَ بهذينِ الفريقينِ عينُ الأوَّلينِ ويكون التَّكريرُ باعتبارِ وصفينِ آخرينِ هما أدخلُ في إنكار التَّسوية من الوصفينِ الأوَّلين وقيل قال كفَّارُ قُريشٍ للمؤمنين: إنَّا نُعطَى في الآخرةِ من الخيرِ ما تُعطَون فنزلتْ. { كِتَابٌ } خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ هو عبارةٌ عن القُرآن أو السُّورةِ. وقولُه تعالى: { أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ } صفتُه. وقوله تعالى: { مُّبَارَكٌ } خبرٌ ثانٍ للمتدأِ أو صفةٌ لكتابٌ عند مَن يُجوِّز تأخيرَ الوصفِ الصَّريحِ عن غيرِ الصَّريحِ. وقُرىء مباركاً على أنَّه حالٌ من مفعولِ أنزلنا ومعنى المبارك الكثيرُ المنافعِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ. وقولُه تعالى: { لّيَدَّبَّرُواْ ءايَـٰتِهِ } متعلِّقٌ بأنزلناه أي أنزلنَاهُ ليتفكَّروا في آياتِه التي من جُملتها هذه الآياتُ المعربةُ عن أسرارِ التَّكوينِ والتَّشريعِ فيعرفُوا ما يدبر ظاهرها من المعانِي الفائقةِ والتَّأويلاتِ اللائقةِ وقرىء ليتدَّبروا على الأصل ولتدبَّروا على الخطابِ أي أنتَ وعلماءُ أمَّتك بحذفِ إحدى التَّاءينِ { وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلأَلْبَـٰبِ } أي وليتَّعظ به ذَوُو العقولِ السَّلميةِ أو ليستحضرُوا ما هو كالمركوزِ في عقولِهم من فرطِ تمكُّنهم من معرفتِه لما نُصبِ عليه من الدَّلائلِ فإنَّ الكتبَ الإلهيةَ مبـيِّنةٌ لما لا يُعرف إلا بالشَّرعِ ومرشدةٌ إلى ما لا سبـيلَ للعقلِ إليه.