الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ }

{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ } استفهامٌ معناه التَّعجيبُ والتَّشويقُ إلى استماع ما في حيِّزهِ لإيذانه بأنَّه من الأنباء البديعة التي حقُّها أنْ تشيعَ فيما بـين كلِّ حاضرٍ وبادٍ. والخَصمُ في الأصل مصدرٌ ولذلك يُطلق على الواحدِ وما فوقه كالضَّيفِ، ومعنى خصمانِ فريقانِ { إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } إذا تصعدوا سورَه ونزلُوا إليه. والسُّورُ الحائطُ المرتفعُ ونظيرُه تسنَّمه إذا علا سنامَهُ وتذرَّاهُ إذا علا ذِرْوَتُه. وإذْ متعلِّقةٌ بمحذوفٍ أي نبأ تحاكم الخصم إذْ تسوَّروا أو بالنبأ على أنَّ المرادَ به الواقع في عهد داودَ عليه السَّلامُ وأنَّ إسنادَ الإتيان إليه على حذف مضافٍ أي قصَّةً نبأ الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الخُصومةِ لا بأتى لأنَّ إتيانَه الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم لم يكن حينئذٍ وقوله تعالى: { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } بدلٌ ممَّا قبله أو ظرف لتسوَّروا { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } رُوي أنَّه تعالى بعثَ إليه مَلكين في صورة إنسانينِ قيل: هما جبريلُ وميكائيلُ عليهما السَّلامُ فطلبا أنْ يدخلا عليه فوجداهُ في يوم عبادته فمنعهُما الحَرَسُ فتسوَّروا عليه المحراب بمن معهُما من الملائكةِ فلم يشعرْ إلاَّ وهُما بـين يديه جالسانِ ففزِع منهم لأنَّهم نزلُوا عليه من فوق على خلافِ العادةِ والحَرَسُ حوله في غير يوم الحُكومةِ والقضاء. قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّ داودَ عليه السَّلامُ جزَّأ زمانَه أربعةَ أجزاءٍ يوماً للعبادة ويوماً للقضاء ويوماً للاشتغال بخاصَّةِ نفسه ويوماً للوعظ والتَّذكيرِ. { قَالُواْ } استئناق وقع جواباً عن سؤالٍ نشأ من حكايةِ فزعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكأنَّه قيل: فماذا قالتِ الملائكةُ عند مشاهدتِهم لفزعِه، فقيل قالوا إزالةً لفزعِه { لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ } أي نحنُ فوجانِ متخاصمانِ على تسمية مصاحب الخصم خَصْماً { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } هو على الفرض وقصد التَّعريضِ فلا كذبَ فيه { فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ وَلاَ تُشْطِطْ } أي لا تجُر في الحُكومةِ وقرىء ولا تشطُطْ أي لا تبعُد عن الحقِّ وقرىء ولا تشطّط ولا تشاطِطْ وكلُّها من معنى الشَّططِ وهو مجاوزةُ الحدِّ وتخطِّي الحقِّ { وَٱهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاء ٱلصّرٰطِ } إلى وسطِ طريقِ الحقِّ بزجر الباغي عمَّا سلكه من طريق الجَوْرِ وإرشاده إلى منهاجِ العدلِ.