الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ }

{ فَهُمْ عَلَىٰ ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } من غير أنْ يتدبروا أنَّهم على الحقِّ أولاً مع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمُّلٍ. والإهراعُ: الإسراع الشَّديدُ، كأنَّهم يُزعجون ويحثُّون حثًّا على الإسراع على آثارِهم وقيل هو إسراعٌ فيه شبه رعدةٍ.

{ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ } أي قبل قومِك قريش { أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } من الأمم السَّالفةِ وهو جواب قسم محذوف. وكذا قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } أي أنبـياءَ أولي عددٍ كثيرٍ وذوي شأنٍ خطيرٍ بـيَّنوا لهم بُطلانَ ما هم عليه وأنذرُوهم عاقبته الوَخِيمَةِ وتكريرُ القَسَمِ لإبراز كمالِ الاعتناء بتحقيقِ مضمونِ كلَ من الجملتين { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } من الهول والفظاعةِ لمَّا لم يلتفتُوا إلى الإنذار ولم يرفعُوا له رأساً. والخطابُ إمَّا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أو لكلِّ أحدٍ ممَّن يتمكَّنُ من مشاهدة آثارِهم وحيث كان المعنى أنَّهم أُهلكوا إهلاكاً فظيعاً استُثني منهم المُخلصون بقوله تعالى: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي الذين أخلصَهم الله تعالى بتوفيقهم للإيمان والعملِ بموجب الإنذارِ. وقُرىء المخلِصين بكسر اللاَّم، أي الذين أخلصُوا دينَهم لله تعالى.

{ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } نوعُ تفصيلٍ لما أُجمل فيما قبل ببـيان أحوال بعض المرسلين وحسنِ عاقبتهِم متضمِّنٍ لبـيان سوء عاقبة بعض المُنذرين حسبما أُشير إليه بقوله تعالى:فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } [سورة يونس: الآية 73] كقوم نوحٍ وآل فرعونَ وقوم لوطٍ وقوم إلياسَ ولبـيان حُسن عاقبةِ بعضهم الذين أخلصُهم الله تعالى ووفَّقهم للإيمان كما أشار إليه الاستثناء كقوم يونسَ عليه السَّلامُ ووجه تقديم قصَّةِ نوحٍ على سائر القصص غنيٌّ عن البـيان. واللاَّمُ جواب قسم محذوفٍ وكذا ما في قوله تعالى: { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } أي وباللَّهِ لقد دعانا نوحٌ حين يئسَ من إيمان قومه بعدما دعاهُم إليه أحقاباً ودُهُوراً فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً ونُفوراً فأجبناه أحسنَ الإجابةِ فواللَّهِ لنعم المُجيبون نحن فحُذف ما حُذف ثقةً بدلالة ما ذُكر عليه والجمع دليلُ العظمةِ والكبرياءِ.

{ وَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } أي من الغَرقِ وقيل من أذيةِ قومه.