الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } * { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }

{ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي الإجزاءَ ما كنتُم تعملونَه من السَّيئاتِ أو إلاَّ بما كنتُم تعملونَه منها.

{ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } استثناءٌ منقطعٌ من ضمير ذائقو وما بـينهما اعتراضٌ جيء به مسارعة إلى تحقيق الحقِّ ببـيان أنَّ ذوقهم العذاب ليس إلاَّ من جهتهم لا من جهة غيرهم أصلاً وجعله استثناء من ضمير تُجزون على معنى أنَّ الكفرة لا يُجزون إلا بقدر أعمالهم دون عباد الله المُخلصين فإنَّهم يجزون أضعافاً مضاعفة ممَّا لا وجه له أصلاً لا سيَّما جعله استثناء متَّصلاً بتعميم الخطاب في تُجزون لجميع المكلَّفين فإنَّه ليس في حيِّزِ الاحتمال فالمعنى إنَّكم لذائقون العذاب الأليم لكنْ عباد الله المُخلصين الموحِّدين ليسُوا كذلك وقوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إليهم للإيذان بأنَّهم ممتازون بما اتَّصفوا به من الإخلاص في عبادة الله تعالى عمَّن عداهم امتيازاً بالغاً منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما فيه من معنى البُعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار بعلوِّ طبقتهم وبُعد منزلتهم في الفضل، وهو مبتدأٌ وقوله تعالى: { لَهُمْ } إمَّا خبرٌ له وقوله تعالى: { رّزْقِ } مرتفعٌ على الفاعلية بما فيه من الاستقرارِ، أو مبتدأٌ ولهم خبرٌ مقدَّمٌ والجملة خبرٌ لأولئك، والجملةُ الكُبرى استئناف مبـيِّنٌ لما أفاده الاستثناء إجمالاً بـياناً تفصيليًّا، وقيل هي خبر للاستثناء المنقطع على أنَّه متأوَّلٌ بالمبتدأ وقوله تعالى: { مَّعْلُومٌ } أي معلومُ الخصائصِ من حُسن المنظر ولذَّةِ الطَّعمِ وطيب الرَّائحةِ ونحوها من نعوت الكمال وقيل معلوم الوقتِ كقوله تعالى:وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [سورة مريم: الآية 62] وقوله تعالى: { فَوٰكِهُ } إمَّا بدل من رزقٌ أو خبرُ مبتدأٍ مضمرٍ، أي ذلك الرزقُ فواكهُ، وتخصيصُها بالذِّكر لأنَّ أرزاق أهل الجنَّة كلَّها فواكه أي ما يُؤكل لمجرَّدِ التَّلذُّذِ دون الاقتياتِ لأنَّهم مستغنون عن القوت لكون خِلقتِهم مُحكمةً محفوظة من التَّحلُّلِ المُحوجِ إلى البدل وقيل لأنَّ الفواكه من أتباع سائرِ الأطعمةِ فذكرُها مُغنٍ عن ذكرِها { وَهُم مُّكْرَمُونَ } عند الله عزَّ وجلَّ لا يلحقُهم هوانٌ وذلك أعظم المثوباتِ وأليقها بأُولي الهممِ وقيل مكرمون في نيله حيثُ يصلُ إليهم بغير تعبٍ وسؤالٍ كما هو شأنُ أرزاقِ الدُّنيا. وقُرىء مكرَّمون بالتَّشديدِ { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } أي في جناتٍ ليس فيها إلاَّ النَّعيمُ وهو ظرف أو حال من المستكنِّ في مكرمون، أو خبر ثانٍ لأولئك.