الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ }

{ وَإِنَّ جُندَنَا } وهم أتباعُ المُرسلين { لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } على أعدائِهم في الدُّنيا والآخرةِ ولا يقدحُ في ذلك انهزامُهم في بعضِ المشاهدِ فإنَّ قاعدةَ أمرِهم وأساسَه الظَّفرُ والنُّصرةُ وإنْ وقعَ في تضاعيفِ ذلكَ شَوبٌ من الابتلاءِ والمحنةِ، والحكمُ للغالبِ. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُما: إنْ لم يُبصَرُوا في الدُّنيا نُصرِوا في الآخرةِ. وقُرىء على عبادِنا بتضمينِ سبقتْ معنى حُقِّقتْ وتسميتُها كلمةً مع أنَّها كلماتٌ لانتظامِها في معنى واحدٍ. وقُرىء كلماتُنا.

{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } فأَعرضْ عنهم واصبرْ { حَتَّىٰ حِينٍ } إلى مُدَّةٍ يسيرةٍ وهي مُدَّةُ الكفِّ عن القتالِ، وقيل يومَ بدرٍ، وقيل: يومَ الفتحِ. { وَأَبْصِـرهُمْ } على أسوأِ حالٍ وأفظعِ نكالٍ حلَّ بهم من القتلِ والأسرِ، والمرادُ بالأمرِ بأبصارِهم الإيذانُ بغايةِ قُربِه كأنَّه بـين يديِه. { فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } ما يقعَ حينئذٍ من الأمورِ، وسوفَ للوعيدِ دُون التَّبعيدِ { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } رُوي أنَّه لمَّا نزل فسوف يُبصرون قالُوا متَى هذا فنزلَ { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ } أي فإذا نزلَ العذابُ الموعودُ بفنائِهم كأنَّه جيشٌ قد هجمَهم فأناخَ بفنائِهم بغتةً فشنَّ عليهم الغارةَ وقطعَ دابرَهم بالمرَّةِ. وقيل: المرادُ نزولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ. وقُرىء نزلَ بساحتهم على إسنادِه إلى الجارِّ والمجرور. وقُرىء نُزّل مبنَّياً للمفعولِ من التَّنزيلِ أي نُزّلَ العذابُ { فَسَاء صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } فبئسَ صباحُ المنذَرين صباحُهم. واللاَّمُ للجنسِ. والصَّباحُ مستعارٌ من صباحِ الجيشِ المبـيِّتِ لوقت نزول العذابِ ولمَّا كثُرتْ منهم الغارة في الصَّباح سمَّوها صباحاً، وإن وقعت ليلاً. رُوي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: لمَّا أتى خيبرَ وكانُوا خارجينَ إلى مزارعِهم ومعهم المَسَاحي قالُوا: محمدٌ والخميسُ ورجعُوا إلى حصنِهم فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: " الله أكبرُ خربتْ خيبرُ إنا إذَا نزلنا بساحةِ قومٍ فساءَ صباحُ المنذَرينِ " { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } تسليةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إثرَ تسليةٍ وتأكيدٍ لوقوعِ الميعادِ غبَّ تأكيدِ مع ما في إطلاقِ الفعلينِ عن المعفولِ من الإيذانِ بأنَّ ما يُبصره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حينئذٍ من فنونِ المسارِ وما يُبصرونه من أنواعِ المضارِّ لا يحيطُ به الوصفُ والبـيانُ. وقيلَ: أُريد بالأوَّلِ عذابُ الدُّنيا، وبالثَّاني عذابُ الآخرةِ.