الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } * { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ } * { وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ }

وقوله تعالى: { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةَ إِنَـٰثاً } إضرابٌ وانتقالٌ من التَّبكيت بالاستفتاءِ السَّابقِ إلى التَّبكيتِ بهذا كما أُشير إليه أي بل أخلقنا الملائكةَ الذين هم من أشرفِ الخلائقِ وأبعدِهم من صفات الأجسامِ ورذائل الطَّبائعِ إناثاً والأُنوثةُ من أخسِّ صفاتِ الحيوانِ. وقوله تعالى: { وَهُمْ شَـٰهِدُونَ } استهزاءً بهم تجهيلٌ لهم كقولِه تعالى:أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } [سورة الزخرف: الآية 19] وقوله تعالى:مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَخَلْقَ أَنفُسِهِمْ } [سورة الكهف: الآية 51] فإنَّ أمثالَ هذه الأمورِ لا تُعلم إلا بالمشاهدةِ إذ لا سبـيلَ إلى معرفتِها بطريقِ العقلِ وانتفاء النَّقلِ ممَّا لا ريَب فيه فلا بُدَّ أنْ يكون القائل بأنوثتهم شاهداً عند خلقِهم والجملةُ إمَّا حال من فاعلِ خلقنا أي بل أخلقناهُم إناثاً والحالُ أنهم حاضرون حينئذٍ أو عطفٌ على خلقنا أي بل أهم شاهدون وقوله تعالى:

{ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ } استئنفاف من جهته غيرُ داخلٍ تحت الأمر بالاستفتاء مسوقٌ لإبطالِ أصل مذهبِهم الفاسدِ ببـيان أنَّ مبناهُ ليس إلاَّ الإفكُ الصَّريحُ والافتراء القبـيحُ من غير أنْ يكونَ لهم دليلٌ أو شبهة قطعاً { وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } في قولِهم ذلك كَذِباً بـيِّناً لا ريبَ فيه. وقُرىء ولدُ الله على أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي الملائكةُ ولدُه تعالَى عن ذلك عُلوَّاً كبـيراً فإنَّ الولدَ فعل بمعنى مفعولٍ يستوِي فيه الواحدُ والجمعُ والمذكَّرُ والمؤنَّثُ { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } إثباتٌ لإفكِهم وتقريرٌ لكذبِهم فيما قالوا ببيان استلزامه لأمر بيِّن الاستحالة هو اصطفاؤه تعالى البنات على البنينَ، والاصطفاءُ أخذُ صفوةِ الشَّيءِ لنفسِه، وقُرىء بكسرِ الهمزةِ على حذفِ حرفِ الاستفهامِ ثقةً بدلالةِ القَرَائنِ عليهِ وجعله بدلاً من ولدَ الله ضعيفٌ وتقديرُ القولِ أي لكاذبونَ في قولِهم اصطفَى الخ تعسُّفٌ بعيدٌ.