الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

وقوله تعالى: { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } الخ استئنافٌ مسوقٌ من جهته عزَّ وجلَّ لتحقيق مضمون الجوابِ الذي أُمر عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنْ يُخاطبهم بذلك ويُلزمهم الحجَّة. والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ، والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أليسَ الذي أنشأها أوَّلَ مرَّةٍ وليس الذي جعلَ لهم من الشَّجرِ الأخضرِ ناراً وليسَ الذي خلقَ السَّمواتِ والأرضَ مع كِبر جِرمِهما وعظم شأنهما { بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } في الصِّغرِ والقَمَاءةِ بالنسبةِ إليهما فإنَّ بديهةَ العقلِ قاضيةٌ بأنَّ مَن قدرَ على خلقهما فهو على خَلْقِ الأناسيِّ أقدرُ كما قال تعالى:لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [سورة غافر: الآية 57] وقُرىء يقدِرُ وقوله تعالى: { بَلَىٰ } جوابٌ من جهته تعالى وتصريحٌ بما أفادَه الاستفهامُ الإنكارِيُّ من تقريرِ ما بعد النَّفيِ وإيذانٌ بتعيُّنِ الجوابِ نطقُوا به أو تلعثمُوا فيه مخافة الإلزامِ. وقولُه تعالى: { وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ } عطفٌ على ما يفيدُه الإيجابُ أي بَلَى هو قادرٌ على ذلكَ وهو المبالغُ في الخلقِ والعلم كَيْفاً وكمًّا. { إِنَّمَا أَمْرُهُ } أي شأنُه { إِذَا أَرَادَ شَيْئاً } من الأشياءِ { أَن يَقُولَ لَهُ كُن } أي أنْ يعلِّقَ به قدرته { فَيَكُونُ } فيحدُثُ من غيرِ توقُّفٍ على شيءٍ آخرَ أصلاً. وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قُدرتهِ تعالى فيما أرادَه بأمرِ الآمرِ المُطاعِ المأمورِ المطيعِ في سرعةِ حصولِ المأمورِ به من غيرِ توقُّفٍ على شيء مَا. وقُرىء فيكونَ بالنَّصب عطفاً على يقولَ { فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء } تنزيهٌ له عزَّ وعلا عمَّا وصفُوه تعالى به وتعجيبٌ ممَّا قالوا في شأنهِ تعالى وقد مرَّ تحقيقُ معنى سبحانَ. والفاءُ للإشارةِ إلى أنَّ ما فُصِّل من شؤونهِ تعالى موجبةٌ لتنزُّهه وتنزيههِ أكملَ إيجابٍ كما أنَّ وصفَه تعالى بالمالكيةِ الكلِّيةِ المُطلقة للإشعارِ بأنَّها مقتضيةٌ لذلك أتمَّ اقتضاءٍ. والملكوتُ مبالغةٌ في المُلكِ كالرَّحموتِ والرَّهبوتِ. وقُرىء ملكةُ كلِّ شيءٍ ومملكةُ كلِّ شيءٍ ومُلكُ كلِّ شيءٍ. { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } لا إلى غيرِه. وقُرىء ترجعون بفتحِ التَّاءِ من الرُّجوعِ وفيهِ من الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى. عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما: كنتُ لا أعلمُ ما رُوي في فضائلِ يٰس وقراءتها كيف خُصَّتْ بذلك فإذا أنه لهذه الآيةِ. قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ لكلِّ شيءٍ قَلباً وإنَّ قلبَ القُرآنِ يٰس مَن قَرأها يريدُ بها وجه الله تعالى غفرَ اللَّهُ له وأُعطيَ من الأجرِ كأنَّما قرأ القُرآنَ اثنتينِ وعشرينَ مرَّةً " وأيَّما مسلمٍ قُرىء عنده إذَا نزل به مَلَكُ الموتِ سورةُ يٰس نزلَ بكلِّ حرفٍ منها عشرةُ أملاكٍ يقومون بـين يديهِ صفوفاً يصلُّون عليهِ ويستغفرونَ له ويشهدونَ غسلَهُ ويتبعونَ جنازتَهُ ويصلُّون عليهِ ويشهدون دفنَهُ وأيَّما مسلمٍ قرأ يٰس وهو في سكراتِ الموتِ لم يقبضْ مَلَكُ الموتِ رُوحَه حتَّى يجيئه رَضوانُ خازنُ الجنَّةِ بشربةٍ من شراب الجنَّةِ فيشربها وهو عَلى فراشِه فيقبضُ مَلَكُ الموتِ رُوحَه وهو ريَّانُ ويمكثُ في قبرهِ وهو ريَّانُ ولا يحتاجُ إلى حوضٍ من حياض الأنبـياءِ حتَّى يدخلَ الجنَّة وهو ريَّانُ. وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ في القُرآنِ سورةً تشفعُ لقارئِها وتستغفرُ لمستمِعها ألا وهيَ سورةُ يٰس "