الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ }

وقوله تعالى: { سَلَـٰمٌ } على التَّقديرِ الأوَّلِ بدلٌ من ما يدَّعُون. أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ. وقوله تعالى { قَوْلاً } مصدرٌ مؤكِّدٌ لفعلٍ هو صفةٌ لسلامٌ وما بعده من الجارِّ متعلِّقٌ بمضمر هو صفةٌ له كأنَّه قيل ولهم سلامٌ أو ما يدَّعُون سلامٌ يُقال لهم قَولاً كائناً { مِنْ } جهةِ { رَّبّ رَّحِيمٍ } أي يُسلَّم عليهم من جهتِه تعالى بواسطة المَلَكِ أو بدونِها مبالغةً في تعظيمهم. قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: والملائكةُ يدخلُون عليهم بالتَّحيةِ من ربِّ العالمين. وأمَّا على التَّقديرِ الثَّاني فقد قيل إنَّه خبرٌ لمَا يدَّعُون ولهم لبـيان الجهةِ كما يُقال لزيدٍ الشَّرفُ متوفِّرٌ. على أنَّ الشَّرفَ مبتدأٌ ومتوفِّرٌ خبرُه والجارُّ والمجرورُ لبـيانِ مَن له ذلك أي ما يدَّعُون سالمٌ لهم خالصٌ لا شوبَ فيه. وقولاً حينئذٍ مصدرٌ مؤكَّدٌ لمضمون الجملةِ أي عدةٌ من ربَ رحيمٍ. والأوجَهُ أنْ ينتصبَ على الاختصاصِ. وقيل هو مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ، أي لهم سلامٌ أي تسليمٌ قولاً من ربَ رحيمٍ. أو سلامةٌ من الآفاتِ فيكون قولاً مصدراً مؤكداً لمضمونِ الجملة كما سبقَ وقيل: تقديرُه سلامٌ عليهم فيكون حكايةً لما سيقالُ لهم من جهتِه تعالى يومئذٍ وقيل: خبرُه الفعلُ المقدَّر ناصباً لقولاً وقيل: خبرُه من ربَ رحيمٍ. وقُرىء سلاماً بالنَّصبِ على الحاليَّةِ أي لهم مرادُهم سالماً خالِصاً. وقُرىء سلمٌ وهو بمعنى السَّلامِ في المعنيـينِ.

{ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ } عطفٌ إمَّا على الجملة السَّابقةِ المسوقة لبـيان أحوالِ أهل الجنَّةِ لا على أنَّ المقصودَ عطف فعل الأمر بخصُوصهِ حتىَّ يتحَّملَ له مشاكل يصحُّ عطفه عليه، بل على أنَّه عطفُ قصَّةِ سوء حال هؤلاءِ وكيفيَّة عقابِهم على قصَّةِ حُسن حال أولئك ووصف ثوابِهم كما مرَّ في قوله تعالى:وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [سورة البقرة: الآية 25] الآيةَ وكأنَّ تغيـير السَّبكِ لتخيـيل كمالِ التَّباينِ بـين الفريقينِ وحاليهما. وإمَّا على مضمرٍ تنساق إليه حكايةُ حال أهل الجنَّةِ كأنَّه قيل: إثرَ بـيان كونِهم في شغل عظيمِ الشَّأنِ وفوزهم بنعيم مقيمٍ يقصرُ عنه البـيانُ فليقرُّوا بذلك عيناً وامتازُوا عنهم { أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } إلى مصيرِكم. وعن قَتادةَ: اعتزلُوا عن كلِّ خبر. وعن الضَّحَّاكِ: لكلِّ كافر بـيتٌ من النَّارِ يكون فيه لا يَرى ولا يُرى. وأمَّا ما قيل: من أنَّ المضمرَ فليمتازوا فبمعزلٍ من السَّدادِ لما أنَّ المحكيَّ عنهم ليس مصيرهم إلى ما ذُكرمن الحال المرضيةِ حتَّى يتسنَّى ترتيب الأمر المذكور عليه بل إنَّما هو استقرارُهم عليها بالفعل، وكونُ ذلك بطريق تنزيل المترقَّبِ منزلةَ الواقع لا يُجدي نفعاً لأنَّ مناطَ الإضمار إنسياقُ الأفهام إليه وانصبابُ نظم الكلامِ عليه، فبعد ما نزلت تلك الحالة منزلَة الواقع بالفعل لما اقتضاه المقامُ من النُّكتةِ البارعة بالحكمة الرَّائعةِ حسبما مرَّ بـيانه وأسقط كونها مترَّقبةً عن درجة الاعتبار بالكُلِّيةِ يكون التَّصدِّي لإضمار شيء يتعلَّقُ به إخراجاً للنَّظمَ الكريم عن الجَزالة بالمرَّةِ.