الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } * { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ قَالُواْ } لمَّا ضاقتْ عليهم الحِيلُ وعيتْ بهم العللُ { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } تشاءمنا بكم جرياً على دَيْدنِ الجَهَلةِ حيث كانُوا يتيَّمنون بكلِّ ما يُوافق شهواتِهم وإن كان مستجلباً لكلِّ شرَ ووبال ويتشاءُمون بما لا يُوافقها وإنْ كان مستتبعاً لسعادةِ الدَّارينِ أو بناء على أنَّ الدَّعوةَ لا تخلُو عن الوعيدِ بما يكرهونَه من إصابة ضُرَ ومتعلِّقٍ بأنفسهم وأهليهم وأموالِهم إنْ لم يُؤمنوا فكانوا ينفرون عنه. وقد رُوي أنَّه حُبس عنهم القطرُ فقالوه: { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ } أي عن مقالتِكم هذه { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بالحجارةِ { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } لا يُقادرُ قَدرُه { قَالُواْ طَـٰئِرُكُم } أي سببُ شُؤمكم { مَّعَكُمْ } لا مِن قِبلنا وهو سوءُ عقيدتِكم وقبحُ أعمالكم. وقُرىء طَيركُم { أَئِن ذُكّرْتُم } أي وُعظتُم بما فيه سعادتُكم. وجوابُ الشَّرط محذوفٌ ثقةً بدلالة ما قبله عليه أي تطيرتُم وتوعدتُم بالرَّجمِ والتَّعذيبِ. وقُرىء بألفٍ بـين الهمزتينِ وبفتحِ أنْ بمعنى أتطيرتُم لأنْ ذُكِّرتم وأنْ ذكِّرتم وإنْ ذُكِّرتم بغيرِ استفهام وأينَ ذُكِّرتم بمعنى طائركم معكم حيثُ جرى ذكركُم وهو أبلغُ { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } إضرابٌ عمَّا تقتضيه الشَّرطيَّةُ من كونِ التَّذكيرِ سبباً للشُّؤمِ أو مصحِّحاً للتوعد أي ليس الأمرُ كذلك بل أنتُم قومٌ عادتُكم الإسرافُ في العصيان فلذلك أتاكُم الشُّؤمُ أو في الظُّلمِ والعُدوانِ ولذلك تَوعدتُم وتَشاءمتُم بمن يجبُ إكرامُه والتَّبركُ به.

{ وَجَاء مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } هو حبـيبٌ النَّجارُ وكان ينحتُ أصنامَهم وهو ممَّن آمنَ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبـينهما ستمائةُ سنةٍ كما آمنَ به تُبَّعُ الأكبرُ وورقةُ بنُ نوفلٍ وغيرُهما، ولم يُؤمِن بنبـيَ غيرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أحدٌ قبل مبعثِه. وقيل كان في غارٍ يعبدُ الله تعالى فلمَّا بلغه خبرُ الرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ أظهرَ دينَه.

{ قَالَ } استئنافٌ وفع جواباً عن سُؤالٍ نشأ من حكايةِ مجيئهِ ساعياً كأنَّه قيل: فماذا قال عند مجيئِه فقيل قال: { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } تعرض لعُنوانِ رسالتهم حثَّاً لهم على اتِّباعِهم كما أنَّ خطابَهم بـياقوم لتأليفِ قلوبِهم واستمالتِها نحو قبولِ نصيحتِه. وقوله تعالى: { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْـئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } تكريرٌ للتأكيد وللتَّوسُّلِ به إلى وصفهم بما يرغِّبُهم في اتِّباعهم من التَّنزهِ عن الغرض الدُّنيويِّ والاهتداء إلى خير الدُّنيا والدِّينِ { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } تلطُّفٌ في الإرشادِ بإيراده في معرض المُناصحةِ لنفسِه وإمحاض النُّصحِ حيثُ أراهم أنَّه اختارَ لهم ما يختارُ لنفسه. والمرادُ تقريعُهم على ترك عبادةِ خالقِهم إلى عبادةِ غيرِه كما يُنبىء عنه قوله: { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } مبالغةً في التَّهديدِ ثمَّ عاد إلى المساقِ الأوَّلِ فقال: