الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

{ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ } عداوةً قديمةً لا تكاد تزولُ. وتقديمُ لكم للاهتمامِ به { فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } بمخالفتِكم له في عقِائدِكم وأفعالِكم وكونِكم على حَذَرٍ منه في مجامعِ أحوالِكم. وقولُه تعالى: { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } تقريرٌ لعداوتِه وتحذيرٌ من طاعتِه بالتَّنبـيهِ على أنَّ غرضَه في دعوةِ شيعتِه إلى اتِّباعِ الهَوَى والركونِ إلى ملاذِّ الدُّنيا ليس تحصيلَ مطالبِهم ومنافِعهم الدُّنيويَّةِ كما هو مقصد المُتحابِّـين في الدُّنيا عند سعي بعضِهم في حاجةِ بعضٍ بل هو توريطُهم وإلقاؤُهم في العذابِ المُخلَّد من حيثُ لا يحتسبون { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ } بسببِ كفرِهم وإجابتِهم لدعوةِ الشَّيطانِ واتِّباعِهم لخطواتِه { عَذَابٌ شَدِيدٌ } لا يُقَادر قَدُره مديدٌ لا يُبلغ مداهُ { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم } بسببِ ما ذُكر من الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ الذي من جُملتِه عداوةُ الشِّيطانِ { مَغْفِرَةٌ } عظيمةٌ { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } لا غايةَ لهما.

{ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } إمَّا تقريرٌ لما سبقَ من التَّبايُنِ البـيِّنِ بـين عاقبتيْ الفريقينِ ببـيان تباينِ حالهما المُؤدِّيـينِ إلى تَينكِ العاقبتينِ. والفاءُ لإنكارِ ترتيبِ ما بعدها على ماقبلها أي أبعدَ كونِ حاليهما كما ذُكر يكون من زُيِّن له الكفرُ من جهةِ الشَّيطانِ فانهمك فيه كمنْ استقبحَه واجتنَبه واختارَ الإيمانَ والعملَ الصَّالحَ حتَّى لا تكونُ عاقبتُهما كما ذُكر فَحذْفُ ما حُذف لدلالةِ ما سبق عليه وقوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ } الخ تقريرٌ له وتحقيقٌ للحقِّ ببـيانِ أنَّ الكُل بمشيئتِه تعالى أيْ فإنَّه تعالىَ يُضلُّ { مَن يَشَآء } أنْ يضلَّه لا ستحسانِه واستحبابِه الضَّلالَ وصرفِ اختيارِه إليه فيردَّه أسفلَ سافلينَ { وَيَهْدِى مَن يَشَاء } أنْ يهديَه بصرفِ اختيارِه إلى الهُدى فيرفعه إلى أعلى عليـين وإمَّا تمهيدٌ لما يعقبه من نهيهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن التَّحسرِ والتَّحزنِ عليهم لعدمِ إسلامِهم ببـيانِ أنَّهم ليُسوا بأهلٍ لذلَك بلْ لأنْ يُضربَ عنهم صَفْحاً ولا يُبالي بهم قطعاً، أي أبعدَ كونِ حالِهم كما ذُكر تتحسَّر عليهم فحُذف لما دلَّ عليه قولُه تعالى: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰتٍ } دلالة بـيِّنةٌ. وإمَّا تمهيدٌ لصرفِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عمَّا كانَ عليه من الحرصِ الشَّديدِ على إسلامِهم والمبالغةِ في دعوتِهم إليه ببـيانِ استحالةِ تحويلِهم عن الكفرِ لكونِه في غايةِ الحسنِ عندهم أي أبعدَ ما ذُكر من زُيِّن له الكفرُ من قبل الشَّيطانِ فرآه حسناً فانهمك فيه يقبلُ الهدايةَ حتَّى تطمعَ في إسلامِه وتُتعبَ نفسَك في دعوتِه فحُذف ما حُذف لدلالةِ ما مرَّ من قولِه تعالى فإنَّ الله يُضلُّ مَن يشاء الخ على أنَّه ممن شاء الله تعالى أنْ يضلَّه فمن يهدي مَن أضلَّ الله وما لهم مِن ناصرين. وقُرىء فلا تُذهب نفسك وقولُه تعالى: حسراتِ. إمَّا مفعول له أي فلا تهلك نفسك للحسرات والجمعُ للدِّلالةِ على تضاعفِ اغتمامِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على أحوالِهم أو على كثرةِ قبائحِ أعمالِهم الموجبةِ للتَّأسُّفِ والتَّحسرِ وعليهم. صلةُ تذهب كما يقال هَلك عليه حيَّاً ومات عليه حُزناً أو هو بـيانٌ للمتحسَّر عليهِ ولا يجوزُ أنْ يتعلَّق بحسراتٍ لأنَّ المصدرَ لا تتقدَّمُ عليه صلتُه وإمَّا حالٌ كأن كلها صارت حسرات وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } أي من القبائحِ تعليلٌ لما قبله على الوجوهِ الثلاثةِ مع ما فيه من الوعيد. عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّها نزلتْ في أبـي جهلٍ ومُشركِي مكَّةَ.