الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ }

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى مصدر قوله تعالى: { جَزَيْنَـٰهُم } أو إلى ما ذُكر من التَّبديلِ. وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ ببُعد رُتبتهِ في الفظاعة. ومحلُّه على الأوَّلِ النَّصبُ على أنَّه مصدرٌ مؤكدِّ للفعل المذكور وعلى الثَّاني النَّصبُ على أنَّه مفعولٌ ثانٍ له أي ذلك الجزاءَ الفظيعَ جزيناهم لا جزاءً آخرَ أو ذلك التَّبديلَ جزيناهم لا غيرَه { بِمَا كَفَرُواْ } بسبب كفرانهم النِّعمة حيثُ نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدَّها أو بسبب كفرهم بالرُّسلِ { وَهَلْ نُجَازِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } أي وما نُجازي هذا الجزاءَ إلا المُبالغَ في الكُفرانِ أو الكفر. وقُرىء يُجازِي على البناء للفاعل وهو الله عزَّ وجلَّ. وهل يُجازَى على البناء للمفعول ورفعِ الكفورَ، وهل يُجزى على البناء للمفعولِ أيضاً. وهذا بـيانُ ما أُوتوا من النَّعم الحاضرة في مساكنهم وما فعَلُوا بها من الكُفرانِ وما فُعلَ بهم من الجزاء. وقوله تعالى { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } حكاية لما أُوتوا من النَّعمِ البادية في مسايرهم ومتاجرهم وما فَعلُوا بها من الكُفرانِ وما حاق به بسبب ذلك تكملةً لقصتهم وبـياناً لعاقبتهم وإنما لم يذكر الكلَّ معاً لما في التَّثنيةِ والتَّكريرِ من زيادة تنبـيه وتذكير وهو عطف على كان لسبأٍ لا على ما بعده من الجمل النِّاطقةِ بأفعالهم أو بأجزيتها أي وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فُنون النِّعمِ بـينهم أي بـين بلادهم وبـين القُرى الشَّاميةِ التي باركنا فيها للعالمين { قُرًى ظَـٰهِرَةً } متواصلة يُرى بعضُها من بعضٍ لتقاربها فهي ظاهرة لأعينُ أهلها أو راكبة متنَ الطريق ظاهرة للسَّابلةِ غير بعيدة عن مسالكهم حتَّى تخفى عليهم { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } أي جعلناها في نسبة بعضها إلى بعضٍ على مقدار معيَّنٍ يليقُ بحال أبناء السَّبـيلِ قيل: كان الغادي من قرية يقيلُ في أخرى والرَّائحُ منها يبـيت في أُخرى إلى أنْ يبلغً الشَّامَ. كلُّ ذلك كان تكميلاً لما أُوتوا من أنواع النَّعماءِ وتوفيراً لها في الحضر والسَّفرِ { سِيرُواْ فِيهَا } على إرادة القول أي وقُلنا لهم سيروا في تلك القُرى { لَيَالِىَ وَأَيَّاماً } أي متى شئتُم من الليالي والأيَّامِ { ءامِنِينَ } من كلِّ ما تكرهونه لا يختلف الأمنُ فيها باختلاف الأوقاتِ أو سيروا فيها آمنينَ وإن تطاولتْ مُدَّةُ سفرِكم وامتدتْ لياليَ وأيَّاماً كثيرة أو سيروا فيها لياليَ أعمارِكم وأيَّامَها لا تلقَون فيها إلا الأمنَ، لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السَّيرِ المذكور وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك.