الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

{ تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ } أيْ تُؤخِّرها وتتركُ مضاجعتَها { وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء } وتضمُّ إليكَ مَن تشاءُ منهنَّ وتُضاجعها أو تطلِّق مَن تشاءُ منهنّ وتُمسك مَن تشاءُ. وقُرىء تُرجىء بالهمزةِ والمعنى واحدٌ. { وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ } أي طلبتَ { مِمَّنْ عَزَلْتَ } طلَّقتَ بالرَّجعةِ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } في شيءٍ مَّما ذُكر وهذه قسمةٌ جامعةٌ لما هو الغرضُ، لأنَّه إمَّا أنْ يطلِّقَ أو يمسكَ فإذا أمسكَ ضاجعَ أو تركَ وقسمَ أو لم يقسم، وإذا طلِّق فإمَّا أنْ يخلِّيَ المعزولةَ أو يبتغيَها. ورُوي أنَّه أَرْجى منهنَّ سَوْدةَ وجُويريةَ وصفيَّةَ وميمُونةَ وأمَّ حبـيبةٍ فكانَ يقسمُ لهنَّ ما شاءَ كما شاءَ وكانتْ ممَّا آوى إليهِ عائشةُ وحفصةُ وأمُّ سلمةٍ وزينبُ. وأرجَى خمْساً وآوى أربعاً، ورُوي أنَّه كان يُسوِّي بـينهنَّ مع ما أُطلق له وخُيِّر، إلا سودَة فإنَّها وهبتْ ليلتَها لعائشةَ رضي الله عنهنَّ وقالتْ: لا تُطلِّقْني حَتَّى أُحشرَ في زُمرةِ نسائكِ { ذٰلِكَ } أي ما ذُكر من تفويضِ الأمرِ إلى مشيئتِك { أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمِآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } أي أقربُ إلى قُرَّةِ عُيونهنَّ ورضاهنَّ جميعاً لأنَّه حكمٌ كلُّهنَّ فيهِ سواءٌ ثمَّ إنْ سَوَّيتَ بـينهنَّ وجدنَ ذلكَ تفضُّلاً منكَ وإنْ رجَّحت بعضهنَّ علمنَ أنَّه بحكمِ الله فتطمئنَّ به نفوسُهنَّ وقُرىء تُقِرَّ بضمِّ التَّاءِ ونصب أعينهنَّ وتُقَرُّ على البناءِ للفعمولِ وكلهنَّ تأكيدٌ لنونِ يرضينَ. وقُرىء بالنَّصبِ على أنَّه تأكيدٌ لهنَّ { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ } من الضَّمائرِ والخواطرِ فاجتهدُوا في إحسانِها { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } مُبالغاً في العلمِ فيعلمُ كلَّ ما تُبدونَهُ وتُخفونَهُ { حَلِيماً } لا يُعاجلُ بالعقوبةِ فلا تغترُّوا بتأخيرِها فإنَّه إمهالٌ لا إهمالٌ.