الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }

{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي تردنَ رسولَه وذِكرُ الله عزَّ وجلَّ للإيذانِ بجلالةِ محلِّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عندَه تعالى { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } أي نعيمَها الذي لا قدرَ عندَه للدُّنيا وما فيها جميعاً { فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ } بمقابلةِ إحسانِهن { أَجْراً عَظِيماً } لا يُقادر قَدرُه ولا يُبلغ غايتُه. ومِن للتَّبـيـينِ لأنَّ كلَّهن محسناتٌ وتجريدُ الشَّرطيةِ الأُولى عن الوعيدِ للمبالغةِ في تحقيقِ معنى التَّخيـيرِ والاحترازِ عن شائبةِ الإكراهِ وهو السرُّ فيما ذُكر من تقديمِ التَّمتيعِ على التَّسريحِ وفي وصفِ السَّراح بالجميلِ.

{ يٰنِسَاءَ ٱلنَّبِىّ } تلوينٌ للخطابِ وتوجيهٌ له إليهنَّ لإظهارِ الاعتناءِ بنُصحهنَّ، ونداؤهن ههنا وفيما بعدَه بالإضافةِ إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّها التي يدورُ عليها ما يردُ عليهنَّ من الأحكامِ { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ } بكبـيرةٍ { مُّبَيّنَةٍ } ظاهرةِ القُبحِ من بـين بمعنى تبـين وقُرىء بفتحِ الياءِ والمرادُ بها كلُّ ما اقترفنَ من الكبائرِ وقيل: هي عصيانُهنَّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهنَّ وطلبهنَّ منه ما يشقُّ عليه أو ما يضيق به ذرعُه ويغتمُّ لأجلِه. وقُرىء تأتِ بالفوقانيَّةِ { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } أي يعذبنَّ ضعفي عذابِ غيرهنَّ أي مثليهِ لأنَّ الذنبَ منهنَّ أقبحُ فإنَّ زيادةَ قُبحه تابعةٌ لزيادةِ فضلِ المذنبِ والنِّعمةِ عليهِ ولذلك جُعل حدُّ الحرِّ ضعفَ حدِّ الرَّقيقِ وعُوتب الأنبـياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ بما لا يُعاتب به الأممُ. وقُرىء يُضعَّف على البناءِ للمفعولِ ويُضاعف ونُضعِّف بنونِ العظمةِ على البناءِ للفاعلِ ونَصبِ العذابِ { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } لا يمنعُه من التَّضعيفِ كونُهنَّ نساءَ النبـيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بل يدعُوه إليهِ لمراعاةِ حقِّهِ.