الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً }

{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } خَصلةٌ حسنةٌ حقُّها أنْ يُؤتسى بها كالثَّباتِ في الحربِ ومقاساةِ الشَّدائدِ أو هو في نفسه قدوة يحق التأسّي به كقولك في البـيضة عشرون منّاً حديداً أي هي في نفسِها هذا القدُر من الحديدِ وقُرىء بكسرِ الهمزةِ وهي لُغةٌ فيها { لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } أي ثوابَ الله أو لقاءَهُ أو أيَّامَ الله واليَّومَ الآخرَ خُصوصاً وقيل: هو مثلُ قولِك أرجُو زيداً وفضَله فإنَّ اليومَ الآخرَ من أيامِ الله تعالى ولمن كان صلة لحسنة أو صفة لها وقيل بدلٌ من لكُم والأكثرونَ على أنَّ ضميرَ المخاطبِ لا يُبدلُّ منه { وَذَكَرَ ٱللَّهَ } أي وقَرن بالرَّجاءِ ذكَر الله { كَثِيراً } أي ذكراً كَثيراً أو زماناً كَثيراً فإنَّ المُثابرةَ على ذكرِه تعالى تُؤدِّي إلى مُلازمةِ الطَّاعةِ وبها يتحقَّقُ الانتساءُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

{ وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ } بـيانٌ لما صدَر عن خُلَّصِ المؤمنينَ عند اشتباهِ الشؤونِ واختلافِ الظُّنونِ بعد حكايةِ ما صدرَ عن غيرِهم أي لمَّا شاهدُوهم حسبما وصفُوا لهم { قَالُواْ هَـٰذَا } مُشيرين إلى ما شاهدُوه من حيثُ هو غيرِ أنْ يخطرَ ببالِهم لفظٌ يدلُّ عليه فضلاً عن تذكيرِه وتأنيثِه فإنَّهما من أحكامِ اللَّفظِ كما مرَّ في قولِه تعالى:فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةًً قَالَ هَـٰذَا رَبّى } [سورة الأنعام: الآية 78] وجعله إشارةً إلى الخطبِ أو البلاءِ من نتائجِ النَّظرِ الجليلِ فتدبَّر. نَعم يجوزُ التَّذكيرُ باعتبارِ الخبرِ الذي هُو { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } فإنَّ ذلكَ العُنوان أولُ ما يخطُر ببالِهم عند المُشاهدةِ ومرادُهم بذلك ما وعدُوه بقولِه تعالى:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء } [سورة البقرة: الآية 214] إلى قولِه تعالى:أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [سورة البقرة: الآية 214] وقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: " سيشتدُّ الأمرُ باجتماعِ الأحزابِ عليكم والعاقبةُ لكم عليهم " [لم أقف عليه] وقوله عليه الصَّلاةُ والسَّلام: " إنَّ الأحزابَ سائرونَ إليكُم بعدَ تسعِ ليالٍ أو عشرٍ ". وقُرىء بكسرِ الرَّاءِ وفتح الهمزةِ { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي ظهَر صدقُ خبرِ الله تعالى ورسولِه أو صَدَقا في النُّصرة والثَّوابِ كما صَدَقا في البلاءِ وإظهارِ الاسمِ للتَّعظيم { وَمَا زَادَهُمْ } أي ما رَأَوه { إِلاَّ إِيمَانًا } بالله تعالى وبمواعيدهِ { وَتَسْلِيماً } لأوامرِه ومقاديرِه.