الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ }

{ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا } بالنصب عطفاً على ثم يقولَ و { لا } مزيدةٌ لتأكيد معنى النفي في قوله تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } أي ما كان لبشر أن يستنبِئَه الله تعالى ثم يأمرَ الناس بعبادة نفسِه ويأمرَ باتخاذ الملائكةِ والنبـيـين أرباباً، وتوسيطُ الاستدراك بـين المعطوفَين للمسارعة إلى تحقيق الحقِّ ببـيان ما يليق بشأنه ويحِقُّ صدورُه عنه إثرَ تنزيهِه عما لا يليقُ بشأنه ويمتنِعُ صدورُه عنه، وأما ما قيل من أنها غيرُ مزيدةٍ على معنى أنه ليس له أن يأمُرَ بعبادته ولا يأمرَ باتخاذِ أكفائِه أرباباً بل ينهىٰ عنه وهو أدنى من العبادة فيقضي بفساده ما ذُكِر من توسيط الاستدراكِ بـين الجملتين المتعاطفتين ضرورةَ أنهما حينئذ في حكم جملةٍ واحدة وكذا قوله تعالى: { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ } فإنه صريحٌ في أن المرادَ بـيانُ انتفاءِ كِلا الأمرَين قصداً لا بـيانُ انتفاءِ الأولِ لانتفاءِ الثاني، ويعضُده قراءةُ الرفعِ على الاستئناف، وتجويزُ الحالية بتقدير المبتدإ أي وهو لا يأمرَكم إلى آخره بـيِّنُ الفساد لما عرَفته آنفاً، وقولُه تعالى: { بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } يدل على أن الخطابَ للمسلمين وهم المستأذنون للسجود له عليه السلام { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ } منصوبٌ بمضمر خوطب به النبـيُّ صلى الله عليه وسلم أي اذكرْ وقتَ أخذِه تعالى ميثاقَهم { لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ } قيل: هو ظاهره وإذا كان هذا حكمَ الأنبـياءِ عليهم السلام كان الأممُ بذلك أولى وأحرى، وقيل: معناه أخذُ الميثاقِ من النبـيـين وأممِهم، واستُغنيَ بذكرهم عن ذكرهم، وقيل: إضافةُ الميثاقِ إلى النبـيـين إضافةٌ إلى الفاعل والمعنى وإذْ أخذ الله الميثاقَ الذي وثّقه الأنبـياءُ على أممهم، وقيل: المرادُ أولادُ النبـيـين على حذف المضافِ وهم بنو إسرائيلَ أو سماهم نبـيـين تهكّماً بهم لأنهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد صلى الله عليه وسلم لأنا أهلُ الكتاب والنبـيون كانوا منا، واللام في { لَّمّاً } موطئةٌ للقسم لأن أخذَ الميثاق بمعنى الاستخلافِ، وما تحتملُ الشرطيةَ، ولتُؤمِنُنّ سادٌّ مسدَّ جوابِ القسم والشرط، وتحتمل الخبرية، وقرىء { لَّمّاً } بالكسر على أن ما مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم بعضَ الكتاب ثم لمجيء رسولٍ مصدقٍ أخذَ الله الميثاقَ لتؤمِنُنَّ به ولتنصُرُنه، أو موصولةٌ والمعنى أخذُه الذي آتيتُكموه وجاءكم رسولٌ مصدقٌ له وقرىء لَمّا بمعنى حين آتيتُكم أو لَمِنْ أجل ما آتيتُكم على أن أصله لَمِنْ ما بالإدغام فحُذف إحدى الميمات الثلاثِ استثقالاً.

{ قَالَ } أي الله تعالى بعدما أخذَ الميثاقَ { ءأَقْرَرْتُمْ } بما ذُكر { وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى } أي عهدي سُمّيَ به لأنه يؤصَرُ أي يُشَدّ وقرىء بضم الهمزة إما لغةٌ كعبر وعبر أو جمع إصار وهو ما يشد به { قَالُواْ } استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال كأنه قيل: فماذا قالوا عند ذلك؟ فقيل قالوا: { أَقْرَرْنَا } وإنما لم يُذكر أخذُهم الإصرارَ اكتفاءً بذلك { قَالَ } تعالى { فَأَشْهِدُواْ } أي فليشهدْ بعضُكم على بعض بالإقرار وقيل: الخطابُ فيه للملائكة { وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } أي وأنا أيضاً على إقراركم ذلك وتشاهُدِكم به شاهدٌ، وإدخالُ مع على المخاطبـين لما أنهم المباشِرون للشهادة حقيقةً وفيه من التأكيد والتحذيرِ ما لا يخفى.