الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي بما نَطَقتْ به التوراةُ والإنجيلُ ودلت على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } أي والحالُ أنكم تشهدون أنها آياتُ الله أو بالقرآن وأنتم تشهدون نعتَه في الكتابـين أو تعلمون بالمعجزات أنه حقٌّ { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ } بتحريفكم وإبرازِ الباطِلِ في صورته أو بالتقصير في التميـيز بـينهما، وقرىء تلَبّسون بالتشديد وتلْبَسون بفتح الباء أي تلبَسون الحقَّ مع الباطل كما في قوله عليه السلام: " كَلاَبِسِ ثَوْبَـيْ زُورٍ " { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } أي نبوةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونعتَه { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي حقِّيتَه { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } وهم رؤساؤُهم ومفسدوهم لأعقابهم { ءامِنُواْ بالذى أنزِلَ على الَّذِينَ آمنُوا } أي أظهِروا الإيمانَ بالقرآن المنْزلِ عليهم { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } أي أولَه { وَٱكْفُرُواْ } أي أظهِروا ما أنتم عليه من الكفر به { ءاخِرَهُ } مُرائين لهم أنكم آمنتم به بادِيَ الرأي من غير تأملٍ ثم تأملتم فيه فوقَفتم على خلل رأيِكم الأولِ فرجعتم عنه { لَعَلَّهُمْ } أي المؤمنين { يَرْجِعُونَ } عما هم عليه من الإيمان به كما رجعتم والمرادُ بالطائفة كعبُ بنُ الأشرفِ ومالكُ بنُ الصيفِ قالا لأصحابهما لما حُوِّلت القِبلة: آمِنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلّوا إليها أولَ النهار ثم صلوا إلى الصخرة آخِرَه لعلهم يقولون: هم أعلمُ منا وقد رجَعوا فيرجِعون، وقيل: هم اثنا عشرَ رجلاً من أحبار خيبَر اتفقوا على أن يدخُلوا في الإسلام أولَ النهار ويقولوا آخرَه: نظرنا في كتابنا وشاوَرْنا علماءَنا فلم نجِدْ محمداً بالنعت الذي ورد في التوراة، لعل أصحابه يشكّون فيه.

{ وَلاَ تُؤْمِنُواْ } أي لا تُقِرّوا بتصديقٍ قلبـيٍّ { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } أي لأهل دينِكم أو لا تُظهِروا إيمانَكم وجهَ النهار إلا لمن كان على دينكم من قبلُ، فإن رجوعَهم أرجى وأهمُّ { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } يهدي به من يشاءُ إلى الإيمان ويُثبِّته عليه { أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ } متعلِّقٌ بمحذوفٍ أي دبّرتم ذلك وقلتم لأن يؤتىٰ أحدٌ مثلَ ما أوتيتم، أو بلا تؤمنوا أي ولا تظهِروا إيمانَكم بأن يُؤتىٰ أحدٌ مثلَ ما أوتيتم إلا لأشياعكم ولا تُفْشوه إلى المسلمين لئلا يزيدَ ثباتُهم ولا إلى المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام، وقولُه تعالى: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } اعتراضٌ مفيدٌ لكون كيدِهم غيرَ مُجدٍ لطائل أو خبر إن على هدى الله بدل من الهدى، وقرىء أن يؤتى على الاستفهام التقريعي وهو مؤيدٌ للوجه الأولِ أي لأن يُؤتى أحدٌ الخ دبرتم؟ وقرىء أن على أنها نافيةٌ فيكونُ من كلام الطائفةِ، أي ولا تؤمنوا إلا لمن تبِعَ دينَكم وقولوا لهم: ما يُؤتىٰ أحدٌ مثلَ ما أوتيتم { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ } عطفٌ على { أَن يُؤْتَىٰ } على الوجهين الأولين وعلى الثالث معناه حتى يحاجوكم عند ربِّكم فيدحَضوا حُجتَكم، والواوُ ضميرُ { أَحَدٌ } لأنه في معنى الجمع إذ المرادُ به غيرُ أتباعِهم { قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ } ردٌّ لهم وإبطالٌ لما زعموه بالحجة الباهرةِ.